"*" indicates required fields

اشترك

This field is for validation purposes and should be left unchanged.

عند الاشتراك، فإنك توافق على سياسة الخصوصية المعتمدة لدينا.

Subscription Settings
التحليلات

عن فلسطين وإسرائيل وإسبرطة

اعترافات أوروبية بالدولة الفلسطينية، وزيادة المطالبة بمساءلة إسرائيل دوليا، في حين يسعى نتانياهو إلى مزيد من العسكرة، فهل يقود ذلك إلى عزلة أعمق لإسرائيل على المستوى الدولي؟

هشام ملحم

8 دقائق قراءة

وفود الدول المشاركة في المؤتمر الدولي للتسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حلّ الدولتين، في مقر الأمم المتحدة، 28 يوليو 2025. (صورة من أسوشييتد برس/آدم جراي)

حولت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية القضية الفلسطينية إلى محور الاهتمام الأساسي لمداولاتها، بدءاً من موافقة 142 دولة على “إعلان نيويورك”، الذي طرحته السعودية وفرنسا، والذي يحدد “خطوات ملموسة وتواريخ زمنية لا يمكن التراجع عنها”، باتجاه حل سياسي مبني على حل الدولتين، وذلك بعد يوم من إعلان رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أنه “لن تكون هناك دولة فلسطينية”، وبعد إعلان إسرائيل عن بناء مستوطنة ضخمة تجعل قيام دولة فلسطينية متكاملة مستحيلاً.

وفي الوقت الذي تزداد فيه التكهنات باقتراب إسرائيل من الإعلان عن ضم أراض في الضفة الغربية أو الضفة بكاملها، تعهد الرئيس رونالد ترامب، وفقاً لتقارير صحفية، خلال اجتماعه بعدد من القادة العرب والمسلمين في نيويورك أنه لن يسمح لنتنياهو بضم الضفة الغربية، وأن الرئيس الأميركي كان، وفقاً لهذه التقارير الصحفية حازماً في موقفه. لاحقاً، أكد المبعوث ستيف ويتكوف أن الرئيس ترامب قدم للقادة العرب  خطة سلام تتضمن 21 بنداً، وأضاف أنه “خلال أيام سوف نقوم بالإعلان عن اختراق” حول الجهود الرامية إلى وقف القتال في غزة، والافراج عن الرهائن الإسرائيليين.

يوفر “إعلان نيويورك” إطار متكامل للعمل الجماعي لأنهاء الحرب في غزة، ولتحقيق تسوية دائمة عادلة وسلمية للنزاع الإسرائيلي–الفلسطيني، مبني على تطبيق فعال لحل الدولتين. ويشدد الإعلان على إدانة جميع الهجمات من أي طرف ضد المدنيين، وأي أعمال استفزاز وتدمير الممتلكات. كما يذّكر الإعلان إن خطف الرهائن محرم وفقاً للقانون الدولي، ويؤكد رفضه لأي أعمال تؤدي إلى أي تغييرات ديموغرافية أو تتعلق بالحدود، بما في ذلك ارغام السكان الفلسطينيين المدنيين على النزوح من أراضيهم، الأمر الذي يعتبر انتهاكاً سافراً للقانون الإنساني الدولي. وأدان الإعلان الهجمات التي قامت بها حركة حماس ضد المدنيين في إسرائيل في السابع من أكتوبر، ودعا حماس للإفراج عن الرهائن، وإنهاء سلطتها في قطاع غزة. كما أدان الهجمات التي تقوم بها إسرائيل ضد المدنيين في غزة، وتدمير البنية التحتية في القطاع، والحصار وتجويع السكان الأمر الذي ادى إلى كارثة انسانية.

في اليوم الأول لدورة الجمعية العامة، كان قيام دولة فلسطينية وإنهاء الحرب في غزة البند الأول على جدول الأعمال، حيث قرر بعض حلفاء الولايات المتحدة وإسرائيل التاريخيين، مثل فرنسا وبريطانيا، استخدام الجمعية العامة كخلفية للاعتراف رسمياً بدولة فلسطين. واستخدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المؤتمر الدولي حول حل الدولتين، الذي رعته فرنسا مع السعودية، لكي يعلن اعتراف فرنسا رسمياً بدولة فلسطين، حيث قوبل الاعلان بتصفيق حار. في المقابل أدان المسؤولون الأميركيون اعتراف حلفائهم بدولة فلسطين، وقال وزير الخارجية ماركو روبيو إن الاعتراف “غير مهم… وبشكل عام لا معنى له”، ويرقى إلى مستوى “مكافأة الارهاب”. ولكن الرئيس ترامب كان أكثر فظاظة في رفضه الاعتراف بدولة فلسطينية، قائلاً، إنه بمثابة مكافأة كبيرة “لإرهابيي حماس على جرائمهم”، مدعياً أن الاعتراف هو “تكريم لحماس” لا يجب القيام به بسبب هجوم السابع من أكتوبر.

يوافق مؤيدو الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية على أن الاعتراف هو خطوة رمزية، وأنه لن يؤدي بسرعة إلى وقف إطلاق النار، أو إنهاء الكارثة الإنسانية، التي يعاني منها المدنيون في غزة. ولكنهم يضيفون إن انضمام دول حليفة تقليدياً للولايات المتحدة وإسرائيل، مثل فرنسا وبريطانيا – دولتان يتمتعان بالعضوية الدائمة في مجلس الامن – إضافة إلى دول، مثل كندا وأستراليا، وهما عضوين في مجموعة الدول الصناعية السبعة، سوف يضع ممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة تحت المجهر، وسوف يشجع البرلمانات والمجتمعات المدنية ومنظمات حقوق الإنسان في هذه الدول على محاسبة إسرائيل سياسياً وقانونياً امام المحاكم الدولية.

وسوف نجد أن دولاً أوروبية، مثل البرتغال وأسبانيا وألمانيا وإيطاليا، تحذو حذو فرنسا وبريطانيا في مجلس الأمن الدولي في حال انتقادهما للممارسات الإسرائيلية. كما أن اعتراف هذه الدول النافذة عالمياً سياسياً واقتصادياً سيرفع من مكانة الفلسطينيين في المحافل الدولية، بما في ذلك في الأمم المتحدة خلال عملية انتقال محتملة في المستقبل من عضوية فلسطين كمراقب دائم إلى عضو كامل من الناحية العملية، حتى ولو كانت فلسطين لا تسيطر على أرض محددة، أو تملك المقومات الأخرى التي تشكل سيادة الدول.

تؤكد استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة انحسار التأييد الشعبي والبرلماني لإسرائيل بسبب هجماتها وحصارها وتجويعها لسكان غزة. وجاء في استطلاع لجامعة كوينيبياك (Quinnipiac University) في أغسطس/آب الماضي أن 60 بالمئة من الناخبين من مختلف الخلفيات السياسية يعارضون مواصلة الولايات المتحدة شحن المزيد من الأسلحة لإسرائيل، بينما وافق 32 بالمئة على مواصلة دعم إسرائيل عسكرياً، وهذا يعتبر أعلى رقم يعارض التحالف العسكري الأميركي-الإسرائيلي وفقاً للمسؤولين عن الاستطلاع. أما معارضة دعم إسرائيل عسكرياً فإنها تصل إلى 75 بالمئة في أوساط الناخبين الديموقراطيين، مقابل 18 بالمئة يؤيدون مثل هذا الدعم. ووفقاً للاستطلاع، يوافق 50 بالمئة من الأميركيين مع الرأي السائد في المجتمع الدولي ان إسرائيل ترتكب حرب إبادة في غزة.

وحتى في مجلسي الكونغرس، تواجه إسرائيل معارضة متزايدة لهجماتها العسكرية وحصارها لغزة. ووقع 49 نائباً على مسودة قرار يقضي بمنع تزويد إسرائيل بالقنابل. وأعلنت كتلة النواب التقدميين في المجلس، والتي تضم حوالي مئة عضو، عن تبنيها لمشروع القرار. أما في مجلس الشيوخ، فقد قدم السناتور الديمقراطي بيرني ساندرز مشروعي قرارين لحظر الأسلحة عن إسرائيل، الأول يقضي بمنع تزويدها بالبنادق الهجومية، وحصل على تأييد 27 سناتور ديموقراطي، (أي أكثرية الأعضاء الديموقراطيين في مجلس الشيوخ)، والثاني يقضي بحظر بيعها أسلحة بقيمة 675 مليون دولار، وحظي بتأييد 24 سناتور ديموقراطي.

وحتى في أوساط المثقفين والسياسيين السابقين، هناك انتقادات متزايدة لحرب إسرائيل ضد غزة، وللاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة. وقبل أسبوعين نشر المسؤول السابق في وزارة الخارجية، والرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس (الجمهوري) مقالاً في مجلة فورين أفيرز بعنوان “الدولة الفلسطينية سوف تكون جيدة لإسرائيل” قال فيه إن عدم قيام دولة فلسطينية مستقلة كجزء من سلام إقليمي متكامل فهذا يعني إن إسرائيل سوف تبقى دائماً في حالة حرب، وأكد فيه إن إسرائيل لم تعد مهددة من أي طرف أو أطراف إقليمية. وشدد هاس على أن حل الدولتين يقترب من نهايته، وأن مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل تقضي “بقيام دولة فلسطينية قبل أن تختفي هذه الإمكانية إلى الأبد. حرفياً إما الآن أو أبدا”.

الاعتراف الدولي بدولة فلسطين سوف يصطدم أولا بالمعارضة القوية من جانب إسرائيل والولايات المتحدة، وبعدها بعجز وترهل وفساد السلطة الفلسطينية وهامشيتها كسلطة فعالة، والتي وصلت إلى حافة الانهيار المالي ما أرغم أجهزة السلطة على تخفيض خدماتها، بما فيها الخدمات التعليمية والصحية، ووصول معدلات البطالة إلى 30 بالمئة.  ووفقا لاستطلاع رأي اجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، الذي أسسه ويديره الباحث خليل الشقاقي في مايو/أيار الماضي، أن 81 بالمئة من الفلسطينيين يطالبون باستقالة الرئيس محمود عباس، وأن 69 بالمئة منهم يرون أن الحكومة الجديدة التي عينها الرئيس عباس في 2024 لن تنجح في تحقيق الاصلاحات الضرورية التي فشلت في تحقيقها الحكومة السابقة.

إذا واصلت إسرائيل سياساتها العدائية والتوسعية، وخاصة إذا قامت بضم الضفة الغربية أو جزءاً منها، فإنها ستجازف بزيادة عزلتها الدولية والعداء لها. وسوف تتعرض الدول الديموقراطية، التي اعترفت بالدولة الفلسطينية خلال الدورة الحالية للجمعية العامة،  لضغوط متزايدة من برلماناتها ومن مجتمعاتها لفرض عقوبات اقتصادية أو حظر بيعها الأسلحة، أو سحب استثماراتها من إسرائيل. وعلى الرغم من مركزية العلاقات مع الولايات المتحدة بالنسبة لإسرائيل، فإن الاتحاد الأوروبي يبقى المستثمر الأكبر في الاقتصاد الإسرائيلي، والشريك التجاري الأكبر لإسرائيل. وللتدليل على أن هذه التوقعات أصبحت في حيز الممكن، فقد قام صندوق الثروة السيادية في النروج، والبالغة قيمته تريليوني دولار، بسحب استثماراته من شركة كارتيبيلار (Caterpillar) الأميركية في الشهر الماضي، لأن إسرائيل تستخدم معدات هذه الشركة في هدم المنازل في غزة والضفة الغربية، معتبراً أن ذلك يشكل “مجازفات غير مقبولة”. كما سحب الصندوق استثماراته من خمسة مصارف إسرائيلية، “لأنها تقدم الخدمات المالية لتمويل بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، التي تعتبر غير شرعية وفقاً للقانون الدولي”.

اعترف بنيامين نتنياهو في الأسبوع الماضي أن عزلة إسرائيل الدولية تزداد، وأشار إلى ازدياد ما اسماه العداء الأوروبي لإسرائيل، ونفوذ “الأقليات المسلمة المتشددة” على السياسة الأوروبية الخارجية، وحذر الإسرائيليين أن بقائهم على قيد الحياة يتطلب اقتصاداً جديداً، وواقع استراتيجي مختلف. وأضاف، “نحن بحاجة إلى اعتماد اقتصاد اكتفائي… وإذا أردنا البقاء على قيد الحياة علينا أن نضمن قدرتنا على إنتاج ما هو ضروري للأمن القومي، وخاصة إنتاج الأسلحة. نحن أثينا وإسبرطة، وربما سوبر-إسبرطة. ليس لدينا خيار آخر”.

تعتبر إسبرطة أول مجتمع عسكري في التاريخ، وعاشت في حالة حرب دائمة ضد جيرانها من الولايات اليونانية الأخرى، وضد المستعبدين الكثر فيها، والمعروفين باسم هوليس (helots) الذين كانت تأسرهم إسبرطة من الأراضي التي تحتلها. هذه الأكثرية من المستعبدين كانت تقوم بأعمال الزراعة والأنواع الأخرى من العمالة، الأمر الذي يسمح لمواطني إسبرطة بأن يكرسوا أنفسهم للتدريب العسكري والإدارة السياسية. وعلى الرغم من قوتها العسكرية، فإن إسبرطة كانت تعيش دائما في حالة انعدام الثقة. في المقابل، كانت أثينا التي أعطت العالم القيم الديموقراطية (وإن بشكل ناقص)، ولاية غنية ومنفتحة وتعتمد اقتصاداً مبنيا على التجارة، أي النقيض الوجودي لإسبرطة. وقد انتهت “حرب البوبولينيز” بين إسبرطة وحلفائها وأثينا وحلفائها، والتي استمرت لسبعة وعشرين سنة، بهزيمة أثينا.

ادعاء نتنياهو أن إسرائيل هي إسبرطة وأثينا معاً غير صحيح وغير تاريخي، وهو يحضّر إسرائيل لأن تكون مجتمعاً عسكرياً معزولا ومنغلقاً عن العالم، وأن تكون “سوبر إسبرطة”. وإذا اختار نتنياهو وأنصاره مثل هذا المثال، فإنه يجازف بسقوط إسرائيلي مماثل لسقوط إسبرطة، الذي جاء نتيجة لتضافر عناصر مختلفة، أهمها إعطاء الأولية للقوة العسكرية بدلاً من تطوير الاقتصاد، وللانحسار الكبير في عدد مواطني إسبرطة (مقارنة بأكثرية المستعبدين) والفساد الإداري، والنظام العبودي، والجمود الاجتماعي الذي زاد من صعوبة تأقلمهم مع المتغيرات السياسية حولهم، وتفاقم كلفة الحروب، وهي عوامل قلصت من قدرة إسبرطة على السيطرة على كامل أراضيها، وجعلها مكشوفة أمام اعدائها، ما أدى إلى انهيار هيمنتها العسكرية على المدن اليونانية الأخرى في سنة 371 قبل المسيح.

من الواضح إن بعض العناصر التي أدت إلى انهيار إسبرطة اليونانية، تهدد “السوبر-إسبرطة” الإسرائيلية إذا استمرت على نهجها العبثي.

الآراء الواردة في هذا المحتوى تعبّر عن وجهات نظر الكاتب/ة أو المتحدث/ة، ولا تعكس بالضرورة آراء معهد دول الخليج العربية أو موظفيه أو مجلس إدارته.

هشام ملحم

باحث غير مقيم

التحليلات

الشرق الأوسط أمام مفترق طرق

دفعت حرب غزة المنطقة إلى مفترق طرق، تجميد مسارات التطبيع، اتساع رقعة المواجهات من غزة إلى لبنان وسوريا واليمن، وتزايد عزلة إسرائيل مع تحولات في الرأي العام والتحالفات.

هشام ملحم

6 دقائق قراءة

العنف الإسرائيلي يزور دولة عربية أخرى

هجوم إسرائيل على الدوحة يهزّ معادلة الأمن الخليجي ويحرج واشنطن، فيما قطر جهودها للوساطة في إنهاء الحرب في قطاع غزة.

هشام ملحم

4 دقائق قراءة

الرئيس ترامب، الحاكم بأمره

نجح ترامب في ترك بصماته على جميع أوجه الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في البلاد، ويتساءل الكثيرون ما إذا كانت الولايات المتحدة ستكون قادرة في المستقبل على إصلاح أضراره، إنقاذ ما تبقى من قيم وممارسات الديموقراطية الأميركية.

هشام ملحم

8 دقائق قراءة

حرب إبادة في غزة

في غزة، هناك حرب إبادة تشنها إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين، ومع انها حرب ابادة جماعية، إلا أن كل فلسطيني يموت بمفرده، وهو يراقب العالم يراقب مأساته بصمت وعجز، وإن تمتم بين وقت وآخر "أبداً مرة اخرى" دون أن يعنيها.

هشام ملحم

7 دقائق قراءة

عرض الكل