"*" indicates required fields

اشترك

This field is for validation purposes and should be left unchanged.

عند الاشتراك، فإنك توافق على سياسة الخصوصية المعتمدة لدينا.

Subscription Settings
التحليلات

أول ستة أشهر من ولاية ترامب الثانية

استخدم ترامب الصلاحيات التنفيذية لتجاوز الكونغرس وتفكيك المؤسسات الحكومية خلال الأشهر الستة الأولى من ولايته الثانية، واصفاً ما قام به بـ«العصر الذهبي» لسلطاته؟

هشام ملحم

7 دقائق قراءة

President Donald Trump holds up his signed signature bill of tax breaks and spending cuts at the White House in Washington, Friday, July 4, 2025.(AP Photo/Alex Brandon, Pool)

حقق الرئيس دونالد ترامب في الأشهر الستة الأولى من ولايته الثانية الكثير من وعوده في الحملة الانتخابية، من فرض الرسوم الجمركية العالية على الأصدقاء والخصوم، مما تسبب في حرب تجارية دولية، إلى تفريغ المؤسسات الفيدرالية من الطاقات المحترفة، إلى ترحيل عشرات الآلاف من المهاجرين، إلى شّن حملة ترهيب ضد مؤسسات المجتمع المدني، وحتى احباط الحلفاء القدامى عبر سياساته المتقلبة.  ولتمرير خطته الطموحة وميزانيته التي تتضمن تخفيض معدلات الضرائب عن ذوي الدخل العالي، وتخفيض مخصصات الخدمات الطبية والتعليمية، وزيادة الانفاق العسكري لضبط الأمن على الحدود، والتي زادت من قيمة العجز الفيدرالي، لم يتردد ترامب في سحق خصومه في الكونغرس، بمن فيهم أعضاء في حزبه، وحّول الخطة إلى قانون وقعّه في اليوم الذي اقترحه، أي في ذكرى الاستقلال في الرابع من يوليو/تموز. وخلال هذه الفترة نجح ترامب بمزيج من الترهيب وقرارات المحكمة العليا إلى تعزيز صلاحياته الرئاسية بشكل لم يتصوره أحد، إلى درجة جعلته بتبجح ويقول لمجلة ذي أتلانتك، “أنا أدير البلاد، وأدير العالم”. هذا هو “العصر الذهبي” الذي يريد ترامب أن يعطيه لحقبته الرئاسية.

وإضافة إلى اقرار خطته الطموحة في الداخل، والتي اعتبرها مساعدوه وأنصاره انتصاراً تاريخياً، حقق ترامب انتصاراً تكتيكياً خارجياً، حين قصف المنشآت النووية الإيرانية في غارة واحدة في نهاية ما وصفه بحرب الإثني عشرة يوماً، في إشارة إلى الحرب الجوية التي بدأتها إسرائيل ضد البنية التحتية النووية في إيران، دون أن يورط الولايات المتحدة في نزاع طويل لا يريده، ويعرف أن قاعدته الشعبية ترفضه بوضوح.

وعلى الرغم من اخفاقه في تحقيق اتفاقات مؤقتة لوقف إطلاق النار في أوكرانيا وغزة، أعطى ترامب لنفسه الفضل في احتواء الاشتباكات العسكرية بين الهند وباكستان، الدولتين النوويتين، وقال إنه منع نشوب نزاع بين إثيوبيا ومصر حول مياه نهر النيل، وتوقيع اتفاق سلام في البيت الأبيض بين الكونغو ورواندا ساهمت الولايات المتحدة في تحقيقه، لإنهاء حرب طويلة بين البلدين.

المتملقون الكثر يعلمون أن ترامب يدعي أنه يستحق جائزة نوبل للسلام، ويشعر بالغيرة لأن الرئيس الأسبق باراك أوباما برأيه لم يستحق جائزة نوبل للسلام في بداية ولايته الأولى في 2009. ولهذه الأسباب، قام رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، الذي تتهمه منظمات حقوق الإنسان بارتكاب جرائم حرب في غزة، بترشيح الرئيس ترامب رسمياً للحصول على الجائزة.

هناك فارق كبير بين ترامب في ولايته الأولى، وترامب في ولايته الثانية. لم يتوقع ترامب أن يفوز في انتخابات 2016، ولذلك دخل إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2017 دون خبرة في كيفية الحكم، ودون معرفة بتعقيدات الديناميكيات بين الأجهزة الحكومية، وتوازن علاقات السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. والرئيس ترامب هو الوحيد بين جميع الرؤساء الأميركيين الذين سبقوه الذي لم يخدم في أي منصب حكومي أو عسكري قبل انتخابه رئيساً. هذا الافتقار إلى الخبرة الحكومية جعل ترامب يعتمد على نصائح المستشارين وقادة الحزب الجمهوري في تعييناته الوزارية والإدارية، حيث اختار عدداً من الشخصيات السياسية المحترفة والمعروفة لشغل المناصب الحساسة في حكومته، مثل وزارتي الخارجية والدفاع والعدل وغيرها، والتي لم يكن ترامب يعرفها شخصياً. ولهذه الاسباب اصطدم ترامب مع هذه الشخصيات لاحقاً، ودفعها إلى الاستقالة أو أقالها بنفسه.

خلال وجوده في البرية السياسية في السنوات الأربعة الماضية، قام ترامب ومساعدوه بوضع تصور عام يتضمن خطة دقيقة لكيفية وضع السيطرة الكاملة على واشنطن، وتحييد قيادات الحزب الديموقراطي، ومعها مؤسسات المجتمع المدني، التي تصدت له في ولايته الأولى، مثل الصحافة والجامعات ونقابات العمال، من خلال استخدام اسلوب “اغراق المنطقة”، في إشارة إلى اغراق واشنطن بالقرارات المتتالية والمفاجئة لمنع خصومه من الوقت الكافي للتصدي لإجراءاته ونشاطاته.

في المقابل وصل ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي ومعه جيش من الأنصار، الذين يدينون له بولاء شخصي شبه أعمى، حيث عينهم في جميع المناصب الحساسة في الوزارات والأجهزة الأمنية والمدنية، ليضمن عدم بروز أي معارضة ولو بسيطة له، كما حدث في ولايته الأولى. ولم يتردد ترامب في استخدام هذه الأجهزة، وخاصة وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي (الإف بي آي)، كأسلحة في يده لمساعدته على الانتقام من خصومه من المسؤولين السابقين أو أعضاء الكونغرس من المتقاعدين، الذين قامت السلطات باستجوابهم وترهيبهم.

وعلى الرغم من سيطرة الحزب الجمهوري، وإن بأكثرية بسيطة، على مجلسي الكونغرس، التف ترامب حول السلطة التشريعية، ومارس الحكم عبر توقيعه على عشرات الأوامر التنفيذية، وساهم ذلك في تحييد الكونغرس، ومنعه من ممارسة صلاحياته. وعلى سبيل المثال، سعى ترامب إلى إلغاء وزارة التعليم، وبما أن الكونغرس هو الذي وافق على انشاء وزارة التعليم، وهو الجهة القانونية المخولة اتخاذ هذا القرار، قام ترامب بتسريح جميع الموظفين تقريباً في الوزارة، وأبقي هيكلاً هشاً اسمه وزارة التعليم. وفعل الشيء ذاته بعد إلغاء وكالة التنمية الدولية، وهي وكالة أقامها الكونغرس، لتقديم المساعدات الإنسانية والخدمات الطبية للمجتمعات الفقيرة. وأوكل ترامب مهمة تفكيك الأجهزة الحكومية إلى أيلون ماسك، الذي يعتبر أغنى رجل أعمال في العالم، وعينه رئيساً لجهاز جديد اسمه جهاز الكفاءة الحكومية، الذي قام بشكل عشوائي بتسريح الآلاف من الموظفين الحكوميين، ثم العودة إلى توظيف بعضهم بعد أن تبين أن التسريح شمل موظفين حيويين.

في ولايته الأولى، حاول ترامب انتهاك القانون الأميركي، ونشر القوات المسلحة في الداخل (الاستثناء الوحيد هو وجود حالة عصيان)، ولكن وزارة الدفاع وهيئة الأركان العسكرية ومسؤولين آخرين اعترضوا على الفكرة، ما أرغمه على التراجع عنها. ولكن بعد التظاهرات السلمية إلى حد كبير في مدينة لوس انجلوس بولاية كاليفورنيا ضد تجاوزات قوات حرس الحدود في اعتقالاتهم العشوائية ضد المهاجرين غير الموثقين، وحتى اعتقال مواطنين أميركيين في هذه الحملات، التي تقوم بها عناصر مسلحة ومقنعة ولا تكشف هويتها، نشر ترامب دون أي اعتراض أو تحفظ من أي مسؤول في حكومته قوات الحرس الوطني، وقوات مشاة البحرية (المارينز) على الرغم من معارضة حاكم الولاية، الديموقراطي غافن نيوسم. لم يقتل أي فرد في هذه التظاهرات، التي بالغ ترامب كعادته في خطرها. جدير بالذكر أنه يتم تدريب مشاة البحرية على اقتحام الدفاعات المحصنة لأعداء الولايات المتحدة وليس لحفظ الأمن في شوارع المدن الأميركية.

خلال حملته الانتخابية، تعهد ترامب بمعاقبة خصومه السياسيين والانتقام ممن يعتبرهم أعداؤه. ويقوم مكتب التحقيقات الفيدرالي الآن بالتحقيق في سجل مدير وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي ايه) جون برينن، ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي بتهم الادلاء بشهادات كاذبة أمام الكونغرس.

وأخطر ما فعله ترامب في الأشهر الستة الماضية هو شّن حملة غير مسبوقة ضد مؤسسات المجتمع المدني، وفي طليعتها الجامعات العريقة في البلاد التي يعتبرها ترامب وأنصاره نخبوية، ومواقع ليبرالية ويسارية، انتشرت فيها مشاعر العداء للسامية في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة. وفرض ترامب على هذه الجامعات سلسلة من الشروط تتعلق ببرامجها التعليمية، واعترض على بعض أساتذتها، وعلق المنح والمساعدات المالية التي تقدمها الحكومة دورياً إلى الجامعات الكبيرة لإجراء الأبحاث العلمية والطبية، والتي تصل إلى مئات الملايين من الدولارات إذا لم تقبل بشروطه. وجدير بالذكر أن معظم الانجازات العلمية والطبية والإليكترونية التي حققتها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، كانت في هذه الجامعات. ووصل به الأمر إلى محاولة منع جامعة هارفرد، أقدم وأغني جامعة في الولايات المتحدة من قبول الطلاب الأجانب، الذين يمثلون أكثر من ربع طلاب الجامعة. يمثل هذا التدخل السافر وغير المعهود انتهاكاً واضحاً لحرية واستقلالية هذه الجامعات.

وصاحب هذه الحملة، عملية ترهيب مدروسة ضد مكاتب المحاماة الكبيرة، متذرعاً بحجج واهية، من بينها تمثيل هذه المكاتب لبعض خصومه الداخليين، ونجح في إرغام بعضها على تقديم الخدمات القانونية له وأصدقائه دون أي مقابل مالي. كما واصل ترامب ترهيبه لوسائل الاعلام الكبيرة من خلال إقامة الدعاوى ضدها، وارغام بعضها، ومن بينها شبكتي التلفزيون أي بي سي وسي بي إس على تسوية الدعاوى من خلال دفع هذه الشبكات مبالغ مالية كبيرة لترامب وشركاته. كما واصل ترامب ومساعدوه تحدياتهم للقضاء الأميركي المستقل، من خلال مهاجمة القضاة بالاسم، وهذا أمر غير معهود، والتردد في تنفيذ الأحكام التي لا تلائمه، وساعده في ذلك المحكمة العليا بأكثريتها اليمينية، مستفيداً من تعيينه خلال ولايته الأولى لثلاثة قضاة وافقوا على معظم قراراته.

منذ أن رشح نفسه لمنصب الرئاسة في 2015، سعى دونالد ترامب، وبنجاح كبير إلى تغيير طبيعة الحياة السياسية في البلاد، انطلاقا من شعار “أميركا أولا” الذي يحدد وحده معناه الحقيقي. التغييرات تبدأ من اللغة السياسية الفظة والشخصانية، واستخدام التضليل المدروس والكذب المقصود لتغطية الاخفاقات ولوم الأخرين، تحديداً أقطاب الحزب الديموقراطي ووسائل الاعلام والقضاة “المارقين”. وفي كل مرة يذكر فيها ترامب اسم الرئيس السابق جوزيف بايدن، يصفه بالغبي والكسول.

اهاناته لا تقتصر على المسؤولين السابقين، بل تشمل المسؤولين الذي عينهم في مناصب حساسة، مثل حاكم المصرف المركزي جيروم باول، الذي عينه ترامب في ولايته الأولى، ويصفه الآن بأبشع الأوصاف لأنه يرفض تخفيض معدلات الفائدة. تقليدياً يتمتع حاكم المصرف المركزي بالاستقلالية، حيث يمتنع الرؤساء عادة عن التدخل او التعليق على قرارات حاكم المصرف ومجلس إدارته. ويواصل ترامب حملته المنظمة ضد المؤسسات الديموقراطية المستقلة وضد الأعراف التقليدية، ومنها على سبيل المثال عدم التدخل في قرارات وزارة العدل، التي كانت تعتبر مستقلة إلى حد كبير في قراراتها وكذلك مكتب التحقيقات الفيدرالي. عدم تردد ترامب في توجيه النقد العلني اللاذع ضد أي شخص يتجرأ على انتقاده، بمن فيهم المشرعين الجمهوريين، ساهم في إضعاف السلطة التشريعية، وترهيب حتى الأعضاء الجمهوريين. ووصل الأمر بعضوة مجلس الشيوخ ليسا ميركاوسكي، التي تمثل ولاية ألاسكا للاعتراف العلني “بأننا جميعا خائفون من الانتقام” الذي يمكن أن يأتي من الرئيس ترامب.

هذا هو بعض من سجل ترامب في الأشهر الستة الأولى من عصره “الذهبي”.

الآراء الواردة في هذا المحتوى تعبّر عن وجهات نظر الكاتب/ة أو المتحدث/ة، ولا تعكس بالضرورة آراء معهد دول الخليج العربية أو موظفيه أو مجلس إدارته.

هشام ملحم

باحث غير مقيم

التحليلات

إيران: بيت دون سقف

في حملة عسكرية دقيقة نفّذتها إسرائيل والولايات المتحدة على مدى عام، تم تدمير المنشآت النووية ومخازن الصواريخ والشبكات الوكيلة لإيران، واغتيال كبار العلماء والقادة، ما أسفر عن كشف هشاشة استراتيجية الردع الإيرانية، وعزلة دبلوماسية، وأزمة ثقة داخلية حادة متعددة الأوجه.

هشام ملحم

6 دقائق قراءة

قرار الرئيس ترامب

بين الضغوط الداخلية والتحالفات الدولية، ترامب يقترب من اتخاذ قرار قد يغير وجه الشرق الأوسط لعقود.

هشام ملحم

9 دقائق قراءة

محدودية النفوذ الأميركي في العالم

لا أحد يعلم بيقين كيف ستكون موازين القوى في نهاية ولاية ترامب في 2028. لكن ما يمكن قوله ببعض الثقة اليوم هو إن محدودية النفوذ الأميركي في العالم ستكون احدى السمات السافرة في العالم.

هشام ملحم

5 دقائق قراءة

ترامب يتخطى ثوابت أميركية في الشرق الأوسط

في جولته الخليجية، تجاوز ترامب ثوابت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، مفضلاً المصالح الاقتصادية والتقارب الإقليمي على خطاب الديمقراطية والتدخل الخارجي.

هشام ملحم

7 دقائق قراءة

عرض الكل