"*" indicates required fields

إرسال

This field is for validation purposes and should be left unchanged.

عند الاشتراك، فإنك توافق على سياسة الخصوصية المعتمدة لدينا.

Subscription Settings
Analysis

ترامب يتخطى ثوابت أميركية في الشرق الأوسط

في جولته الخليجية، تجاوز ترامب ثوابت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، مفضلاً المصالح الاقتصادية والتقارب الإقليمي على خطاب الديمقراطية والتدخل الخارجي.

هشام ملحم

1 دقائق قراءة

الرئيس دونالد ترامب يلقي كلمة في منتدى الاستثمار السعودي-الأميركي بمركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات في الرياض، السعودية، 13 مايو 2025. (صورة من وكالة أسوشييتد برس/أليكس براندون)

تميزت جولة الرئيس دونالد ترامب الخليجية بأنها تخطت بعض ما كان يعتبر من “الثوابت” الأميركية التقليدية، التي اعتمدها معظم الرؤساء الأميركيين في العقود الأخيرة. جاء ترامب إلى المنطقة لا ليحقق اختراقات جيواستراتيجية، وإن كان يعتبر لقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع ورفع العقوبات عن دمشق، تطور سياسي هام وايجابي، وكذلك عرض “غصن زيتون” على إيران، إلا أن ترامب جاء لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية والعسكرية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة، وجذب الاستثمارات الخليجية إلى الولايات المتحدة، واحتواء النفوذ الصيني في منطقة الخليج.

الحفاوة ومراسم وطقوس الاستقبال، التي شملت الهجانة والخيالة والرقص بالسيوف، التي لا يشهدها ترامب في زياراته الدولية الأخرى، جعلته يشعر وكأنه في بيئته، كما كان واضحاً من تصريحاته وتعليقاته ولغته الجسدية. خلال وجوده في الرياض والدوحة وأبوظبي، أعلن الرئيس ترامب عن عدد من الصفقات الاستثمارية، وعلى صفقة أسلحة ضخمة للسعودية بقيمة 142 مليار دولار، إضافة إلى تأكيد استعداد السعودية لاستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، وبناء أكبر مجمع للذكاء الاصطناعي في العالم، في دولة الإمارات، واستعداد أبوظبي لاستثمار 1.4 ترليون دولار خلال العشر سنوات القادمة، والإعلان عن رغبة قطر بشراء 210 طائرة ركاب من شركة بوينغ الأميركية بقيمة 96 مليار دولار، وغيرها من الاتفاقات ومذكرات التفاهم.

سياسياً، يظل خطاب الرئيس ترامب في بداية جولته في الرياض أهم ما حمله الرئيس الأميركي لقادة الدول التي زارها، حيث أنه ندد، عملياً، بجزء كبير من الإرث السياسي لأسلافه في المنطقة. قبل أكثر من عشرين سنة حين غزت الولايات المتحدة العراق لبناء نظام ديموقراطي على ضفاف دجلة، قال الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، إن “السياسة الأميركية في العقود المقبلة يجب أن تركز على قضية الحرية في الشرق الأوسط”. وحين أدت الانتفاضة الشعبية في مصر إلى إقالة الرئيس حسني مبارك في 2011، سارع الرئيس باراك أوباما إلى القول إن هذا التطور يجب أن يؤدي إلى “ديموقراطية حقيقية” في مصر، تشمل حماية حقوق المواطنين المصريين، وإلغاء نظام الطوارئ، وإعادة صياغة الدستور، وفتح الطريق لإجراء انتخابات حرة ونزيهة. مواقف الرئيسين بوش وأوباما، مبنية على ما أسسه الرئيس هاري ترومان، الذي أشرف على انتصار الولايات المتحدة وحلفاؤها في الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، حين دعا فيما عرف لاحقاً “بمبدأ ترومان” إلى دعم الحرية في دول مثل تركيا واليونان، للتصدي للنفوذ الشيوعي المتنامي في البلدين.

دفن الرئيس ترامب هذا الإرث الأميركي رسمياً، حين قال لجمهوره إن الولايات المتحدة ستتوقف عن “إلقاء المحاضرات عليكم، حول كيف يجب أن تعيشوا”. وأدان ترامب سياسة حزبه الجمهوري التي انتهجها الرئيس الجمهوري الأسبق جورج بوش الابن، والداعية إلى “بناء الأمم”، حين قال، “في نهاية المطاف، الذين يسمون أنفسهم بناؤو الأمم حطموا أمم أكثر مما بنوا”، وتابع، “ودعاة التدخل كانوا يتدخلون في مجتمعات معقدة أخفقوا حتى في فهمها”. وحض ترامب شعوب المنطقة أن يقرروا مصيرهم وفق ما يناسبهم.

ولم يتردد الرئيس ترامب في انتقاد أسلافه، حين اشار إلى أن “العديد من الرؤساء الأميركيين الذين كانوا يعانون من التفكير الخاطئ، الذي يدعي أننا قادرون على أن ننظر في نفوس القادة الأجانب، وأن نستخدم السياسة الأميركية لنشر العدالة للتعويض عن خطاياهم.”

من الصعب وصف ما قاله ترامب في السعودية ” بمبدأ ترامب”، لأن موقفه ” الحيادي” مما يجري في مجتمعات المنطقة انتقائي، ولا يسري بالضرورة على المجتمعات الأخرى، كما نرى من انتقاداته “ومحاضراته” ونائبه جي دي فانس على قادة دولة حليفة وعضو في حلف الناتو، مثل المانيا، لأنها تنبذ الحزب اليميني المتطرف “البديل لألمانيا”. بل إن نائب الرئيس فانس خلال زيارته إلى ميونيخ، اجتمع برئيس هذا الحزب. كما ألقى ترامب “محاضرة” علنية على رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، عندما زاره في البيت الأبيض، حول احترام حقوق مواطنيه، واتهمه زوراً بالقيام “بحرب إبادة” ضد الأقلية البيضاء، والاستيلاء بالقوة على أراضي المزارعين البيض، وهي تهم باطلة في معظمها.

المفارقة هي أن ترامب بتنديده بسياسات أسلافه في الشرق الأوسط، يوافق على ما يقوله منتقدو سياسة التدخل الأميركية منذ عقود – وخاصة في أوساط اليساريين العرب – التي وصلت إلى ذروتها عقب الغزو الأميركي للعراق، وتبني الرئيس الأسبق بوش الابن، لما سمي آنذاك “أجندة الحرية”، والمبنية في جزء كبير منها على إجراء الانتخابات في دول لا توجد فيها مجتمعات مدنية متطورة، تشمل الأحزاب ووسائل الاعلام والجمعيات والمنظمات المستقلة، التي يفترض أن تقوم بدور الوسيط بين المواطن والسلطة. وأدت بعض الانتخابات المبكرة في بعض هذه الدول إلى فوز الأحزاب الاسلامية، بصفتها الأحزاب الوحيدة ذات التنظيم الجيد، وجلبت على سبيل المثال حركة حماس الاسلامية إلى السلطة في قطاع غزة، وأوصلت أول رئيس إسلامي إلى السلطة في مصر.

ولكن الرئيس ترامب، الذي قال أيضاً إنه لا يؤمن بوجود ما يسمى “بالأعداء الدائمين”، واصل سلوكه غير التقليدي، حين فاجأ حتى بعض أعضاء وفده، وأعلن عن خطوة جريئة يطالب بها قادة وشعوب معظم دول المنطقة، تقضي بإلغاء سلسلة العقوبات الاقتصادية القاسية، التي فرضتها الحكومات الأميركية السابقة ضد سوريا، لأن العقوبات كانت قاسية جداً، كما قال ترامب، وأضاف، “أشعر بقوة إن (إلغاء العقوبات) سوف يعطيهم الفرصة” لتخطي الأوضاع الاقتصادية السيئة في سوريا، التي شهدت حرباً أهلية حصدت مئات الآلاف من القتلى المدنيين. وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وغيره من قادة الخليج، إضافة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد حضوا ترامب على إلغاء العقوبات على سوريا.

المفاجأة الثانية المتعلقة بسوريا، كانت في موافقة الرئيس ترامب على الاجتماع مع الرئيس السوري أحمد الشرع، بحضور ولي العهد السعودي والرئيس التركي أردوغان، الذي شارك في الاجتماع الذي استمر لنصف ساعة بالهاتف من أنقرة. وخرج الرئيس ترامب من الاجتماع بانطباع ايجابي عن الرئيس السوري، الذي وصفه ترامب بأنه ” شاب جذاب، وله ماض قوي جداً، ومحارب”.

ووفقاً لملخص عن الاجتماع أصدره البيت الأبيض، قال ترامب للشرع إن “أمامه فرصة عظيمة لتحقيق شيء تاريخي لبلاده.” وحضه على اتخاذ الخطوات التي تؤدي إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، والتخلص من الإرهابيين الأجانب في بلاده.

قبل أيام، قال وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو، إن بلاده تدرس إمكانية إعادة فتح السفارة الأميركية في دمشق، بعد توفر الإجراءات الأمنية. من الصعب جداً تخيل رئيس أميركي آخر يمكن أن يُحدث مثل هذا التطور الايجابي السريع مع دولة مثل سوريا، التي تميزت علاقتها بالولايات المتحدة بالتوتر منذ عشرات السنوات.

وانطلاقاً من مقولة لا يوجد هناك أعداء دائمين، قدم ترامب خلال جولته الخليجية “غصن زيتون” إلى إيران في حال التوصل إلى اتفاق نووي شامل مع طهران، وتفادي المواجهة العسكرية. وقال خلال زيارته للسعودية “إذا استطعت تحقيق اتفاق مع إيران، فإنني سأكون سعيداً جداً، لأن ذلك سيجعل منطقتكم والعالم أكثر أمناً”. وكرر ترامب القول انه يريد أن يرى إيران دولة ناجحة، إذا تم التوصل إلى اتفاق نووي، لأن ذلك سيؤدي بدوره إلى إلغاء العقوبات الأميركية وانتهاء حالة العداء بين البلدين منذ 1979.

عدم توقف ترامب في إسرائيل عكس فتور العلاقات بين ترامب ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ومع إن المسؤولين الأميركيين قالوا إن ترامب لم يقصد عزل نتنياهو، إلا أن ما فعله وقاله الرئيس الأميركي خلال جولته يمكن أن يفسر على إنه ينتهج في هذه الجولة سياسة “أميركا أولاً”، بمعنى إنه لا يريد أن يربط قرارته في المنطقة بموافقة أو مباركة إسرائيل مسبقاً. إلغاء العقوبات ضد سوريا لإعطائها الفرصة لتصبح دولة “عظيمة”، والاجتماع بالرئيس الشرع، في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل قصفها المكثف لسوريا، ووصفها للشرع بأنه “جهادي”، أُعتبر من قبل المراقبين المحايدين رفضاً مباشراً لسياسة نتنياهو الراهنة ضد سوريا. وإسرائيل، التي تريد أن تشاركها الولايات المتحدة في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، لا تريد أن ترى الرئيس الأميركي يتحدث عن غصن زيتون لإيران، وتطبيع العلاقات الأميركية-الإيرانية في حال التوصل إلى اتفاق نووي شامل. ومع أن ترامب كرر انتقاداته الشرعية للسلوك الإيراني، إلا إنه كرر أيضاً رغبته بتفادي مواجهة عسكرية مع إيران وتدمير منشآتها النووية، مؤكداً خلال زيارته لقطر وجود “مفاوضات جدية للغاية مع إيران لتحقيق سلام طويل الأمد”.

وقبل أسابيع، فاجأ الرئيس ترامب الإسرائيليين حين أعلن عن اتفاق لوقف إطلاق النار مع الحوثيين في اليمن، في الوقت الذي استمر فيه الحوثيون إطلاق الصواريخ ضد إسرائيل، حيث سقط آخرها قرب مطار بن غوريون. كما لم يستشر ترامب نتنياهو قبل إجراء الاتصالات المباشرة مع حركة حماس، التي أدت إلى الإفراج عن الرهينة الأميركية-الإسرائيلية، عيدان ألكسندر، دون مشاركة إسرائيل.

لا يخفي، الرئيس ترامب استيائه من استمرار الغارات الإسرائيلية ضد غزة، والتي تؤدي إلى قتل المئات من المدنيين على خلفية مواصلة حصار غزة وتجويع سكانها، ما أدى إلى استياء حتى الدول التي تربطها علاقات قديمة بإسرائيل، مثل كندا والدول الأوروبية، التي هدد بعض قادتها بوقف تعاملهم التجاري مع إسرائيل، التي تُوصف في وسائل الاعلام الغربية هذه الأيام بالدولة المنبوذة.

خلال جولته الخليجية، لم يتجاهل ترامب نتنياهو فحسب، بل تصرف عملياً تجاهه وكأنه منبوذ بالفعل.

الآراء الواردة في هذا المحتوى تعبّر عن وجهات نظر الكاتب/ة أو المتحدث/ة، ولا تعكس بالضرورة آراء معهد دول الخليج العربية أو موظفيه أو مجلس إدارته.

هشام ملحم

باحث غير مقيم

التحليلات

ماذا يريد ترامب من إيران؟

تراهن إدارة ترامب على المفاوضات مع إيران وسط انقسام جمهوري وتوتر متصاعد مع إسرائيل حول الخيار العسكري.

هشام ملحم

1 دقائق قراءة

أول مئة يوم من ولاية ترامب

في مئة يوم فقط، أعاد ترامب تشكيل الرئاسة الأميركية على صورته من خلال سيل من الأوامر التنفيذية، ومواجهات مع القضاء والإعلام، وحروب تجارية عالمية أثارت مخاوف جدية من نزوع نحو السلطوية في الولايات المتحدة.

هشام ملحم

1 دقائق قراءة

الولايات المتحدة وإيران: نافذة ديبلوماسية أم حرب

في ظل تزايد التوترات الإقليمية، تستعد الولايات المتحدة وإيران لبدء محادثات في سلطنة عُمان، ضمن مقاربة أميركية تجمع بين الحزم العسكري والانفتاح الدبلوماسي، في محاولة لإعادة صياغة العلاقة مع طهران.

هشام ملحم

1 دقائق قراءة

جمهورية الخوف

في ولايته الثانية، يشنّ ترمب هجوماً غير مسبوق على القضاء والصحافة والجامعات، ويقود الولايات المتحدة نحو استبداد مقنّع يتستر خلف واجهة ديمقراطية.

هشام ملحم

1 دقائق قراءة

عرض الكل