"*" indicates required fields

This field is for validation purposes and should be left unchanged.

اشترك

عند الاشتراك، فإنك توافق على سياسة الخصوصية المعتمدة لدينا.

Subscription Settings
التحليلات

ترامب يصعّد حربه ضد الهجرة والمهاجرين

بعد الهجوم على قوات الحرس الوطني في واشنطن العاصمة، استمر ترامب في تصعيد نهجه المتشدد ضد سياسات الهجرة والمهاجرين؛ تجميد منح اللجوء وإلغاء التأشيرات وسياسات عقابية جماعية.

هشام ملحم

7 دقائق قراءة

يرفع الرئيس دونالد ترامب صورة وهو يتحدث إلى الصحفيين بعد أن خاطب الجنود عبر تقنية الفيديو من مقر إقامته في مارالاجو، ولاية فلوريدا 27 نوفمبر 2025، في بالم بيتش، فلوريدا. (صورة من أسوشييتد برس/أليكس براندون)

منذ أن بدأ الرئيس دونالد ترامب حملته الانتخابية الأولي في 2015، أكد، بفظاظة وحدة، مسألة معارضته للهجرة وطلبات اللجوء السياسي من خارج القارة الأوروبية، وجعل هذه المعارضة مسألة مركزية له ولقاعدته الشعبية، ولم يخف رغبته بوقف الهجرة من “الجنوب العالمي”، وطرد ملايين المهاجرين غير الموثقين إلى بلدانهم الأصلية، أو حتى إلى دول أخرى لتضعهم في سجونها مقابل مساعدة مالية أميركية. ومنذ بداية ولايته الثانية، في يناير/كانون الثاني الماضي، اعتمد ترامب سياسة مثيرة للكثير من الجدل، وعرّض إدارته لتحديات قضائية، حين قرر نشر قوات الحرس الوطني، وحتى قوات مشاة البحرية (المارينز)، إضافة إلى عناصر حرس الحدود في شوارع كبريات المدن الأميركية، مثل شيكاغو ولوس انجلس وممفيس ونيو أورلينز وواشنطن العاصمة، بحجة محاربة الجريمة، التي يدعي أن معظم المسؤولين عنها هم من المهاجرين وأفراد عصابات المخدرات من دول أميركا اللاتينية، مثل فنزويلا وكولومبيا.

ويمنع القانون الأميركي نشر أفراد القوات المسلحة في الولايات الأميركية إلا في حالات نادرة للغاية، وبعد طلب حكام الولايات من الحكومة الفيدرالية، أو لقمع عصيان مدني كبير. عارض منتقدو الرئيس ترامب الكُثر، وخاصة المسؤولون الديموقراطيون الذين يديرون هذه المدن، هذه السياسية سياسياً وقانونياً، وحذروا من أنها قد تتسبب بحوادث عنف، وخاصة بعد قيام عناصر حرس الحدود، الذين يستخدمهم ترامب وكأنهم شرطة خاصة خاضعة له، بانتهاك الحقوق المدنية للمهاجرين غير الموثقين، وحتى انتهاك الحريات المدنية والسياسية لمئات المواطنين الأميركيين، الذين حصدتهم هجمات شرطة الحدود، وقبضت عليهم لاشتباهها بأنهم من المهاجرين بشكل غير شرعي.

أثار الهجوم الذي تعرض له عنصرين شابين من أفراد الحرس الوطني من ولاية ويست فيرجينا، والذي أدى إلى مقتل مجندة عمرها 20 سنة، وإصابة زميلها البالغ من العمر 24 سنة بجراح خطيرة على يد المسلح رحمن الله لكنوال الافغاني الأصل، رد فعل عنيف وغاضب من الرئيس ترامب، الذي استخدم الجريمة كذريعة لتصعيد سياساته المعادية للهجرة والمهاجرين. هذا التصعيد لم يعد يفرّق كثيراً بين المهاجرين الذي اخترقوا الحدود الأميركية بشكل غير شرعي، أو المهاجرين الذين تقدموا بطلبات رسمية لدخول الولايات المتحدة وطلب الجنسية الأميركية.

لجأ ترامب أولاً إلى تحميل مسؤولية الجريمة ليس فقط للشخص الذي ارتكبها، بل لجميع الأفغان، وأمر بإلغاء تأشيرات الدخول للأفغان في الخارج، ثم منع حملة التأشيرات من دخول البلاد، بما في ذلك الآلاف من الرجال والنساء الأفغان الذين تعاونوا مع القوات الأميركية لحوالي 20 سنة، كمترجمين، أو مقاتلين أو في أعمال الصيانة، والذي يؤدي بقائهم في أفغانستان إلى تهديد أرواحهم. كما أوقف ترامب النظر في طلبات اللجوء السياسي لجميع المهاجرين.

الهجوم الذي وقع قرب البيت الأبيض في وضح النهار صعق الأميركيين، وزاد من حدة الجدل الدائر في الأوساط السياسية والقانونية ومنظمات حقوق الإنسان حول قرارات ترامب الجذرية وغير المسبوقة ضد المهاجرين غير الموثقين، بغض النظر عن سجلاتهم القانونية، ومعظمهم ليس لهم أي سجل إجرامي، ومدى إقامتهم في البلاد، مثل ترحيلهم إلى أوطانهم الأصلية، أو إلى بلد ثالث، دون السماح لهم باللجوء إلى القانون.

كما أمر ترامب بمراجعة وضع جميع المهاجرين، الذين حصلوا على الإقامة الدائمة المعروفة باسم (غرين كارد) الذين ينتمون إلى 19 دولة فرض حظر دخول مواطنيها في شهر يونيو/حزيران الماضي، من بينها ليبيا والصومال والسودان واليمن، إضافة إلى إيران.

وتعهد الرئيس ترامب “بوقف الهجرة بشكل كامل من جميع دول العالم الثالث،” كما تعهد بوقف ما أسماه “الملايين الذين سمح لهم (الرئيس) بايدن بالدخول بشكل غير شرعي”. ووعد ترامب بترحيل أي شخص   ليس ذخراً للوطن، وطرد أي شخص أجنبي يشكل عبئاً على البلاد، “أو غير قادر على حب بلادنا،” أو تكون مواقفه “متضاربة مع الحضارة الغربية”.

وكعادته في توجيه اللوم إلى الآخرين حين ارتكابه خطأ، وضع ترامب اللوم على إدارة الرئيس بايدن، وقال انه لم يكن يسمح بدخول مرتكب الجريمة في واشنطن، الذي خدم في وحدة قتالية في أفغانستان، نظمتها وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي أيه)، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا بعد خضوع المقاتل لتحقيقات استخباراتية شاملة في ماضيه. وتناسى ترامب أنه كان قد انتقد الرئيس السابق بايدن بعد الانسحاب الأميركي الفوضوي والمكلف من كابول في 2021، لأنه لم يجلب مع القوات الأميركية المنسحبة، الأفغان الذين تعاونوا معها خلال أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة.

مرتكب جريمة واشنطن حصل على تأشيرة دخول خلال ولاية بايدن، ولكنه حصل على اللجوء السياسي في أبريل/نيسان الماضي، أي خلال الولاية الثانية للرئيس ترامب. الأمر الذي يقوض ادعاءاته أن الأفغان يدخلون الولايات المتحدة دون التحقق من خلفياتهم، مع العلم أن فحص هذه الخلفيات يتم خلال جميع مراحل حصول اللاجئ الأفغاني على جميع أوراقه الأميركية الرسمية، وهذه العملية تشمل دخوله الأولي للبلاد، ثم طلبه للحصول على اللجوء السياسي، والحصول على الغرين كارد، وأخيراً طلب الحصول على الجنسية.

تعرض ترامب إلى الانتقاد من وسائل الإعلام، بمن فيها صحف محافظة مثل وال ستريت جورنال، التي حذرت أنه سيكون “من المشين إذا تحول هذا العمل الفردي إلى ذريعة لترحيل جميع الأفغان”. من البلاد. ورد ستيفن ميلر نائب مستشار الأمن القومي، وأحد أكثر المتحمسين للتخلص من المهاجرين، على هذه المخاوف بالقول “أنت لا تستورد الأفراد، أنت تستورد المجتمعات. ولا يحدث أي تحول سحري عندما تجتاز الدول الفاشلة الحدود. وعلى نطاق واسع، المهاجرين والمنحدرين منهم يقومون بإعادة خلق الظروف، وإرهاب أوطانهم المكسورة”. مثل هذه الادعاءات تبرر شيطنة الأخر وتهديده للحضارة (الغربية)، وتبرر العقاب الجماعي.

المفارقة هي أن هذه الممارسات التي تقوم بها إدارة ترامب، تخالف جوهر الحضارة الغربية وقيمها والدستور الأميركي، الذين يدعون أن أعمالهم مصممة لحماية هذه القيم، التي تشمل حرمة الفرد، وحق أي شخص أن يحكم عليه/عليها وفقا لجدارتهم الشخصية، وليس بسبب انتمائهم إلى أثنية معينة أو دين آخر أو تراث مختلف.

الهجوم الذي تعر ض له عنصري الحرس الوطني قرب البيت الأبيض، سمح لترامب بأن يكون ترامب دون أي محاولة لكي يبدو مثل غيره من السياسيين، الذين لا يقولون علناً كل ما في قلوبهم. وخلال انتقاداته القاسية ضد اللاجئين الأفغان، انتقل ترامب إلى توجيه الإهانات العنصرية إلى الجالية الصومالية في الولايات المتحدة، التي يهاجمها باستمرار بسبب أو دون سبب، وخلال جلسة متلفزة لحكومته، وصف ترامب بشراسة نافرة المهاجرين الصوماليين “بالقمامة”، في الوقت الذي تقوم فيه عناصر من حرس الحدود بملاحقة الصوماليين في منطقة مدينتي مينيابوليس وسانت بول في ولاية مينيسوتا. صحيح إن ترامب لا يخفي احتقاره للمهاجرين من أفريقيا، إلا أن هجومه ضد الصوماليين في الولايات المتحدة هذه المرة كان ساماً بامتياز.

وأضاف، “هولاء الناس لا يفعلون أي شيء غير الشكوى. وعندما يأتون من الجحيم لا يفعلون أي شيء غير التذمر، ونحن لا نريدهم أن يبقوا في بلادنا. دعهم يعودوا إلى المكان الذين أتوا منه وإصلاحه”. وقام نائب الرئيس جي دي فانس بالدق على الطاولة مشجعاً ترامب، ولحقه أعضاء حكومته بالتصفيق للرئيس. ووصف ترامب الصومال بأنها تنضح برائحة بشعة، ووصف عضوة مجلس النواب الديموقراطية إلهان عمر بأنها “زبالة، وأصدقائها زبالة، هؤلاء الناس لا يعملون”. واستغل ترامب ومساعديه جريمة احتيال قام بها عشرات المهاجرين الصوماليين في مينيسوتا، واختلسوا مئات الملايين من الدولارات خلال جائحة كورونا (بالتعاون مع مواطنين أميركيين) لتبرير هذه الإهانات، وتوجيهها إلى جميع المهاجرين.

وأدى قرار ترامب نشر قوات من الحرس الوطني وشرطة حماية الحدود، وعناصر من مشاة البحرية (المارينز) في شوارع مدن رئيسية، إلى وقوع اشتباكات بين قوات الأمن والسكان المحليين، الذين نظموا التظاهرات السلمية بمعظمها، على خلفية تحذيرات من السياسيين والحقوقيين بأن هذه الإجراءات ستؤدي إلى عنف خطير.

وأدعى ترامب أن القوات الفيدرالية سوف تساهم في التصدي لأعمال العنف في هذه المدن، متجاهلاً أن معدلات الجرائم العنيفة، في مدن مثل واشنطن وغيرها، قد انخفضت. كما أن حكام الولايات ورؤساء البلديات عارضوا نشر القوات الفيدرالية، ولجأوا إلى القضاء لوقفها. وبما أن الحرس الوطني غير مدرب على القيام بحفظ الأمن مثل الشرطة، انحصرت واجبات الحرس في واشنطن، بالقيام بنقل النفايات وتجميل المدينة، والتسكع في شوارع العاصمة، والتحدث مع المواطنين

وجاء في مذكرات داخلية وزعت على عناصر الحرس الوطني في الصيف الماضي أن قيادات الحرس حذرت من أن الجنود في شوارع واشنطن، “منتشرون في مناخ من الخطر المتصاعد،” ما يمكن أن يؤدي ببعض المتأثرين بالمنظمات الإرهابية الخارجية إلى اعتبار عناصر الحرس “كهدف سانح”. ولكن وزارة العدل وصفت هذه المخاوف بأنها “افتراضية”.

ويعيش غالبية المهاجرين، بمن فيهم حملة الجنسية الأميركية، وخاصة المهاجرين من أفريقيا وجنوب آسيا والشرق الأوسط، في مناخ من الخوف، دفع بالعديد منهم إلى التوقف عن العمل، والبقاء في منازلهم، أو إغلاق محلاتهم التجارية في المدن الكبيرة. وكانت إدارة ترامب قد خفضت معدل الهجرة هذه السنة بنسبة كبيرة، وسمحت فقط للمهاجرين البيض القادمين من جنوب أفريقيا، حيث يدعي ترامب أنهم يهربون من حرب إبادة.

تعرضت الجاليات الأجنبية، التي وصلت إلى الولايات المتحدة من خارج دول شمال أوروبا، إلى مختلف أنواع التمييز وحتى العداء، وهذا يشمل المهاجرين الأيرلنديين والطليان والعرب والصينيين واليهود. ولكن الولايات المتحدة بقيت لمعظم هؤلاء المهاجرين، وخاصة أولادهم، “المدينة المشعة على التلة” التي تعدك بملكية ما يسمى “بالحلم الأميركي،” أي تحقيق النجاح الاقتصادي والاجتماعي، وإن بعد تضحيات كثيرة.

هذا الحلم الذي يفلت الآن من الأميركيين المولودين في البلاد، لن يتوفر للمهاجرين، في الوقت الذي تعيش فيه الولايات المتحدة انقسامات وتوترات ديموغرافية واجتماعية وثقافية ودينية غير مسبوقة، حيث من المتوقع بعد حوالي عقدين من الزمن، أن يتحول المواطنون البيض إلى أكبر أقلية في البلاد، مع تغير ملامح ولون النصف الأخر من الأميركيين إلى السمرة.

الآراء الواردة في هذا المحتوى تعبّر عن وجهات نظر الكاتب/ة أو المتحدث/ة، ولا تعكس بالضرورة آراء معهد دول الخليج العربية أو موظفيه أو مجلس إدارته.

هشام ملحم

باحث غير مقيم

التحليلات

واشنطن والرياض بين زيارتين

الرياض وواشنطن تعيدان رسم توازن العلاقة بينهما. بين رمزية الاستقبال وحسابات المصالح، ترسم زيارة ولي العهد الثانية إلى واشنطن ملامح شراكة جديدة.

هشام ملحم

7 دقائق قراءة

إنجاز ديموقراطي ونكسة للرئيس ترامب

انتخابات مبكرة تمنح الديمقراطيين دفعة قوية، فيما يعتبر بمثابة استفتاء غير مباشر على سياسات ترامب.

هشام ملحم

6 دقائق قراءة

الشرق الأوسط يدخل مرحلة انتقالية غامضة

ليس شرقاً أوسط جديداً، بل هدنةٌ طويلة على حافة الانفجار، انتصار بلا ترتيب سياسي، ونظام قديم يتداعى من دون بديل واضح.

هشام ملحم

7 دقائق قراءة

الشرق الأوسط أمام مفترق طرق

دفعت حرب غزة المنطقة إلى مفترق طرق، تجميد مسارات التطبيع، اتساع رقعة المواجهات من غزة إلى لبنان وسوريا واليمن، وتزايد عزلة إسرائيل مع تحولات في الرأي العام والتحالفات.

هشام ملحم

6 دقائق قراءة

عرض الكل