"*" indicates required fields

اشترك

This field is for validation purposes and should be left unchanged.

عند الاشتراك، فإنك توافق على سياسة الخصوصية المعتمدة لدينا.

Subscription Settings
التحليلات

قرار الرئيس ترامب

بين الضغوط الداخلية والتحالفات الدولية، ترامب يقترب من اتخاذ قرار قد يغير وجه الشرق الأوسط لعقود.

هشام ملحم

9 دقائق قراءة

تُظهر هذه المجموعة من الصور الرئيس دونالد ترامب أثناء إلقائه خطاباً أمام جلسة مشتركة للكونجرس في مبنى الكابيتول في واشنطن، 4 مارس 2025، وصورة وزعتها الجهات الرسمية للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي خلال حضوره مراسم في طهران، 8 مارس 2025. (صورة من أسوشييتد برس/ بن كيرتس/مكتب المرشد الأعلى الإيراني)

يقترب الرئيس دونالد ترامب من اتخاذ قراره النهائي حول المشاركة أوعدم المشاركة في الحرب الجوية التي شنتها إسرائيل ضد إيران بعد انتهاء أسبوعها الأول، مدركاً أن أي قرار يتخذه، سوف يكون من أهم، إن لم يكن الأهم، الذي يتخذه خلال رئاسته، لأن ترددات مثل هذا القرار ومضاعفاته سوف تهز منطقة الشرق الأوسط بكاملها لعقود طويلة.

والرئيس ترامب هو آخر رئيس أميركي يجد نفسه في مواجهة قرارات صعبة تمس إيران منذ نجاح الثورة الإسلامية في اسقاط النظام الملكي في 1979. النظام الثيوقراطي في طهران، ساهم في خسارة الرئيس الراحل جيمي كارتر لولاية ثانية، كما ساهم في تشويه سمعة إدارة الرئيس رونالد ريغان بسب تسليحه السري لإيران عبر إسرائيل مقابل الإفراج عن الرهائن الأميركيين في لبنان. الرؤساء جورج بوش الأب والابن وبيل كلينتون وباراك أوباما دخلوا في معارك ظل مع إيران، وفرضوا عقوبات اقتصادية ضدها. هذه العقوبات لعبت دوراً كبيراً في إقناع طهران في 2015 بتوقيع اتفاق يحد من برنامجها النووي مع إدارة الرئيس الأسبق أوباما والدول الأخرى ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن.

ترامب الذي طرح نفسه كسياسي معارض لما كان يسميه الحروب الغبية، أو الحروب التي لا نهاية لها في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، والذي سعى، ويسعى، لتجنب التورط في حروب من هذا النوع، لا يزال متردداً في حسم أمره، بسبب هذا الإرث السياسي، وبسبب وجود شرخ عميق في أوساط مؤيديه من المواطنين العاديين الذين يريدونه أن ينتهج سياسة “أميركا أولا” في علاقاته الدولية، وبين بقايا ما يسمى المحافظون الجدد في الكونغرس وفي مراكز الأبحاث من مؤيدي التدخل العسكري الأميركي في إيران لإنهاء الحرب التي بدأتها إسرائيل، خاصة وأن إسرائيل، على الرغم من أدائها المتفوق ونجاحاتها التكتيكية في إلحاق خسائر عسكرية كبيرة بإيران واغتيال قياداتها العسكرية وعلمائها النوويين، وفي التسبب بتدمير جزء كبير من البنية التحتية النووية، غير قادرة على تفكيك أو تدمير كل المنشآت النووية بما فيها مفاعل فوردو، الذي بنته إيران سراً تحت عمق ما يقرب من نصف ميل في الأرض. ويعتبر مفاعل فوردو أهم منشأة لتخصيب اليورانيوم في إيران، وتم الكشف عنه في أواخر ولاية الرئيس بوش الابن الثانية.

خلال أيام قليلة بعد بدء الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة، جرى تحول سريع في مواقف الرئيس ترامب من الحرب، بين رد الفعل الأولي والذي أبعد الولايات المتحدة عن قرار الحرب، الذي قال الأميركيون فور بدء الغارات أنه قرار إسرائيلي بامتياز، وبين تصريحات وتهديدات الرئيس ترامب المباشرة لإيران، بعد أن أدرك الرئيس الأميركي مدى وأهمية النجاحات العسكرية الإسرائيلية الأولية، ورغبته في أن يكون في دائرتها. وهكذا طالب ترامب إيران “باستسلام غير مشروط”، كما طالب سكان العاصمة طهران البالغ عددهم أكثر من عشرة ملايين نسمة اخلاء المدينة فوراً، وواصل تصعيده حين أشار إلى أن اغتيال المرشد الأعلى علي خامنئي هو أمر سهل، وبعد أن ادعى “نحن” حققنا سيطرة كاملة على الأجواء الإيرانية، وكأنه يريد أن يثمن العالم دوره، وأن يعترف بأهمية وتقدم الأسلحة أميركية الصنع، التي تستخدمها إسرائيل في الحرب.

مع نهاية الأسبوع الأول من الحرب الجوية، حققت إسرائيل سيطرة شبه كاملة على الأجواء الإيرانية، ودمرت العديد من منصات إطلاق الصواريخ، كما اعترضت معظم الصواريخ التي أطلقتها إيران، وإن سقط بعضها وألحق أضراراً مادية وبشرية محدودة، ولكن بما أنها خسائر غير مسبوقة في إسرائيل، اكتسبت هذه الخسائر أهمية لم تكن لتكسبها لو وقعت في دولة أخرى في الشرق الأوسط.

ويقول المسؤولون الأميركيون إن الرئيس ترامب يميل، وإن بتردد، إلى التدخل عسكرياً في الحرب، لكي يقول أنه ساهم جذرياً في القضاء على البرنامج النووي الإيراني، وهو الذي يفاخر بأنه سحب الولايات المتحدة في عام 2018 من الاتفاق، الذي وقعه الرئيس الأسبق باراك أوباما مع إيران. وفي تسريبات للصحف من مسؤولين في إدارة ترامب، لم يتم الكشف عن هويتهم، تبين أن الرئيس ترامب أبلغ كبار مساعديه يوم الثلاثاء أنه وافق على خطط عسكرية هجومية ضد إيران، ولكنه لم يعط الأوامر بتنفيذها فوراً، لإعطاء الإيرانيين الفرصة للتخلص طوعاً من برنامجهم النووي.

تأتي هذه التطورات على خلفية استمرار وصول الإمدادات العسكرية الأميركية الجوية والبحرية إلى شرق المتوسط وبحر العرب. ومع أن البيت الأبيض لم يكشف مضمون الاتصالات اليومية بين ترامب وبنيامين نتنياهو، إلا أنه من الواضح أن نتنياهو وغيره من السياسيين الإسرائيليين يواصلون ضغوطهم – تماماً كما يفعل المحافظون الجدد في الكونغرس ومراكز الأبحاث الأميركية – لكي يقوم ترامب بإنهاء “المهمة” التي بدأتها إسرائيل، أي تدمير المنشآت النووية المحصنة، مثل المفاعل فوردو، الذي يعتبر أهم منشأة نووية في إيران من خلال استخدام القاذفات الضخمة من طراز B-2، القادرة على تفادي الرادار، وعلى حمل قنابل يبلغ وزنها أكثر من 13 ألف كيلوغرام، والمرابطة في ولاية ميزوري في وسط البلاد، والقادرة على الوصول إلى الأجواء الإيرانية، والقيام بعمليات القصف، والعودة إلى قواعدها بعد التزود بالوقود في الجو.

لا أحد يعلم بيقين كيف ستنتهي هذه الحرب بين إسرائيل وإيران، وخاصة إذا تدخلت فيها القوات الأميركية، ولكن ما هو مؤكد مع نهاية الأسبوع الأول من حرب بين دولتين تفصل بينهما مئات الأميال من أراضي دول أخرى، هو أن البرنامج النووي الواسع، الذي تبنيه الجمهورية الإسلامية منذ أكثر من أربعين سنة، بكلفة تزيد عن 500 مليار دولار، سوف يتم تدميره عسكرياً، إذا لم تقم إيران بتفكيكه طوعاً. الرئيس ترامب يؤكد أنه لا يسعى إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران، بل إلى التخلص من البرنامج النووي، بشكل أو بآخر.

المسافة النوعية التي قطعتها إسرائيل منذ الهجوم الذي شنته ضدها حركة حماس في أكتوبر/تشرين الأول 2023 لتعزيز قدراتها العسكرية والاستخباراتية تبدو واضحة بشكل سافر وصادم حين مراجعة سجلها العسكري في اضعاف منظومة الردع، أو ما كان يسمى “بمحور المقاومة”، التي أمضت إيران عشرات السنوات على بنائها، وانفقت عليها مبالغ خيالية، مثل تمويل وتسليح حزب الله في لبنان، وحركة حماس في غزة، والميليشيات الحوثية في اليمن، ودعم نظام بشار الأسد الطاغي في سوريا.

اجتياح إسرائيل المدمر لقطاع غزة والذي قتل فيه أكثر من خمسين ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، جاء كرد جامح على هجوم حركة حماس. ولكن سوء الحسابات الإيرانية، وسوء حسابات حزب الله، وقناعتهم الخاطئة أن الردع الذي تمثله صواريخ إيران وحزب الله سوف يخدم مصلحة إيران ووكلائها في المنطقة بدت واهية، لأنهم سمحوا لإسرائيل بالاستفراد بأعدائها الواحد تلو الأخر. وفي السنتين الماضيتين، قضت إسرائيل على حركة حماس كقوة قتالية، بعد أن دمرت قطاع غزة وحولته إلى أرض يباب. بعدها قامت إسرائيل بالتركيز على ضرب حزب الله واستنزاف قدراته المادية والبشرية، بعد تدمير وقصف القرى اللبنانية الواقعة جنوب نهر الليطاني. النجاح المذهل والمحرج في آن واحد، الذي حققنه الاستخبارات الإسرائيلية في اختراق حزب الله، واختراق الأجهزة الإيرانية، من خلال تفجير المئات من أجهزة الاتصالات البيجر، واغتيال قيادات الحزب السياسية والعسكرية، بما في ذلك اغتيال أمين عام الحزب حسن نصر الله، وتدمير قسم هام من الترسانة الصاروخية التي كان يملكها الحزب، والتي استخدمها بنجاح ضد إسرائيل في سنة 2006، وعجز عن تكرار هذا الأداء في الحرب الأخيرة مع إسرائيل. اختراق الاستخبارات الإسرائيلية لحزب الله والقيادة الإيرانية وأجهزتها، كشف مدى هشاشة قيادات إيران وحزب الله.

وخلال الحرب الجوية المحدودة التي نشبت في السنة الماضية بين إسرائيل وإيران، نجحت الدفاعات الجوية الإسرائيلية المدعومة من الطائرات والسفن الحربية الأميركية، والدفاعات الجوية لبعض الدول العربية في تحييد الترسانة الصاروخية الإيرانية بعد أن أطلقت إيران مئات الصواريخ والمسيرات ضد إسرائيل.                  هذا القصف الصاروخي الإيراني غير الفعال، سمح للطيران الإسرائيلي بتدمير جزء مهم من الدفاعات الجوية الإيرانية في السنة الماضية، مما حّول إيران إلى “بيت دون سقف”، كما يتبين من سيطرة الطيران الإسرائيلي الحربي على الأجواء الإيرانية خلال أيام قليلة دون خسارة أي طائرة او أسر طيار واحد.

وجاء سقوط نظام الأسد الهش في سوريا ليضعف إيران وحزب الله في المواجهة مع إسرائيل. بل يمكن القول إن تورط وانشغال حزب الله في المواجهة غير المتكافئة مع إسرائيل، عجل من سقوط نظام الأسد الذي اعتمد في السابق على الدعم الإيراني ودعم مقاتلي حزب الله في تقويض المعارضة السورية المسلحة ضد نظام الأسد.

نجاحات إسرائيل العسكرية ضد حماس وحزب الله، والانهيار السريع نسبياً للدفاعات الإيرانية، والضعف السافر للنظام الجديد في دمشق، زادت من غطرسة قيادتها السياسية، والذي يفسر ادعاء بنيامين نتنياهو “نحن نغير وجه الشرق الأوسط… وهذا يمكن أن يؤدي إلى تغييرات عميقة داخل إيران نفسها”، وذلك في إشارة إلى أحد الأهداف التي يريد نتنياهو أن يحققها من حربه، أي تغيير النظام الثيوقراطي والسلطوي في طهران.

في المستقبل القريب، سوف تدعي إسرائيل علناً، أو تتصرف عملياً، على أنها القوة الطاغية في الشرق الأوسط، أو الطرف المهيمن على منطقة تمتد من إيران إلى المتوسط، يسكنها مئات الملايين من العرب والإيرانيين. في السابق كنا نقول إن العرب يعيشون في ظل جيرانهم غير العرب: تركيا وإسرائيل وإيران. الآن، سوف تتصرف إسرائيل على أن إيران والعرب في الشرق الأوسط يعيشون في ظلها، مع وجود حالة توتر وعداء غير عسكري بين إسرائيل وتركيا الدولة الوحيدة في المنطقة التي هي عضو (مثير للكثير من الجدل) في حلف الناتو.

طبعا، دولة صغيرة مثل إسرائيل، أكثر من ثلث مواطنيها البالغ عددهم أقل من عشرة ملايين فلسطينيين، لا تستطيع أن تفرض هيمنتها على المنطقة دون دعم عسكري وديبلوماسي واقتصادي من الولايات المتحدة. إذن، صيانة هذه الهيمنة الإسرائيلية المؤقتة على المنطقة غير ممكنة دون دعم قوي من واشنطن. تدمير إسرائيل لقطاع غزة، وقتلها عشرات الآلاف من المدنيين، لم ولن يجلب لها القضاء على القضية الفلسطينية. وحتى الدول العربية التي وقعت اتفاقات سلام مع إسرائيل، والتي لها مخاوف مشروعة من البرنامج النووي الإيراني، سوف ترى في إهانة إسرائيل للشعب الإيراني – بعد تدمير بنيته التحتية، وترهيب المدنيين ومطالبتهم، مع الرئيس ترامب، بأخلاء عاصمتهم – تذكيراً بإهانات إسرائيل الكثيرة والقديمة للشعوب العربية.

منذ الحرب العالمية الثانية، حاول بعض القادة “الأقوياء” في المنطقة فرض هيمنتهم على جيرانهم. شاه إيران حاول ذلك في سبعينات القرن الماضي، وأخفق في طموحاته، وحاول جمال عبد الناصر باسم القومية العربية فرض نفوذ وهيمنة مصر على جيرانها العرب، وأخفق في ذلك بعد حرب استنزاف في اليمن، وبعد سوء حسابات خطير وسلوك متهور – مع حكام سوريا المراهقين آنذاك – سمح لإسرائيل بإلحاق هزيمة تاريخية بالعرب في حرب 1967. في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، حاول صدام حسين فرض هيمنته وهيمنة العراق على العرب والإيرانيين، وانتهى نهاية مشؤومة، وساهم في إلحاق كارثة بدولة عربية كانت مؤهلة (نظرياً على الأقل) أن تطور اقتصادها ومجتمعها، والانضمام إلى الدول المتقدمة، لو بقيت في حالة سلم مع جيرانها. إسرائيل لن تكون استثناءاً لهذا الإرث.

صحيح إن إسرائيل تتمتع بتفوق عسكري نوعي في المنطقة، وتملك صناعات تقنية متطورة، وجامعات متقدمة، واقتصاد قوي نسبياً، وسكانها يتمتعون بمستوى تعليمي يفوق المستوى التعليمي لسكان الدول المجاورة، إلا انها تفتقر إلى العوامل الثقافية التي يمكن أن تجلب لها تعاطف أو تضامن شرائح شعبية واسعة في المنطقة، هذه الشرائح لا تزال مترددة أو ترفض قبول إسرائيل كجزء من النسيج الاجتماعي والثقافي الاقليمي.

إسرائيل، كما تبدو للملايين من سكان المنطقة كقلعة عسكرية، سوف تبقى معزولة حتى مع شعوب الدول التي وقعت معها معاهدات سلام. وعلى الرغم من تقدمها الاقتصادي، إلا إنها ستبقى معتمدة على دعم الولايات المتحدة. مثل هذه الدولة لا تستطيع أن تفرض هيمنتها على المنطقة لوقت طويل، لأن هناك قوى اجتماعية وسياسية ستقاوم مثل هذه الهيمنة بأكثر من وسيلة في المدى البعيد.

الآراء الواردة في هذا المحتوى تعبّر عن وجهات نظر الكاتب/ة أو المتحدث/ة، ولا تعكس بالضرورة آراء معهد دول الخليج العربية أو موظفيه أو مجلس إدارته.

هشام ملحم

باحث غير مقيم

التحليلات

محدودية النفوذ الأميركي في العالم

لا أحد يعلم بيقين كيف ستكون موازين القوى في نهاية ولاية ترامب في 2028. لكن ما يمكن قوله ببعض الثقة اليوم هو إن محدودية النفوذ الأميركي في العالم ستكون احدى السمات السافرة في العالم.

هشام ملحم

5 دقائق قراءة

ترامب يتخطى ثوابت أميركية في الشرق الأوسط

في جولته الخليجية، تجاوز ترامب ثوابت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، مفضلاً المصالح الاقتصادية والتقارب الإقليمي على خطاب الديمقراطية والتدخل الخارجي.

هشام ملحم

7 دقائق قراءة

ماذا يريد ترامب من إيران؟

تراهن إدارة ترامب على المفاوضات مع إيران وسط انقسام جمهوري وتوتر متصاعد مع إسرائيل حول الخيار العسكري.

هشام ملحم

7 دقائق قراءة

أول مئة يوم من ولاية ترامب

في مئة يوم فقط، أعاد ترامب تشكيل الرئاسة الأميركية على صورته من خلال سيل من الأوامر التنفيذية، ومواجهات مع القضاء والإعلام، وحروب تجارية عالمية أثارت مخاوف جدية من نزوع نحو السلطوية في الولايات المتحدة.

هشام ملحم

7 دقائق قراءة

عرض الكل