"*" indicates required fields

This field is for validation purposes and should be left unchanged.

اشترك

عند الاشتراك، فإنك توافق على سياسة الخصوصية المعتمدة لدينا.

Subscription Settings
التحليلات

إنجاز ديموقراطي ونكسة للرئيس ترامب

انتخابات مبكرة تمنح الديمقراطيين دفعة قوية، فيما يعتبر بمثابة استفتاء غير مباشر على سياسات ترامب.

هشام ملحم

6 دقائق قراءة

الديمقراطي زهران ممداني يلقي خطاب النصر خلال حفل متابعة ليلة انتخابات منصب العمدة في مدينة نيويورك، 4 نوفمبر 2025. (صورة من أسوشييتد برس/يوكي إيوامورا)

عندما بدأ الرئيس دونالد ترامب ولايته لثانية في يناير/كانون الثاني الماضي، وجد الديموقراطيون أنفسهم ضائعون في صحراء سياسية قاحلة. مساء الثلاثاء، خلال أول انتخابات جزئية منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض عثر الديموقراطيون على الواحة الموعودة، بمياهها العزباء وعشبها الأخضر، حين حققوا فوزاً انتخابياً هاماً، وحتى تاريخياً، حين حصدوا أكثرية المناصب المتنافس عليها، من حاكمية الولايات، إلى رؤساء البلديات وأعضاء المجالس التشريعية المحلية، وبعثوا بتأنيب شعبي إلى الرئيس ترامب، وأيضاً إلى الطبقة السياسية الديموقراطية المترهلة. وهناك احتمال كبير بأن يتحول هذا الحصاد الديموقراطي إلى مكاسب سياسية في الانتخابات النصفية بعد سنة، أبرزها استعادة السيطرة على مجلس النواب، ووقف أو عرقلة السياسات الاقتصادية المتهورة التي اعتمدها ترامب، وخاصة الرسوم الجمركية العالية على البضائع المستوردة من الأسواق الخارجية، والتي تتحول عملياً إلى ضرائب ترهق المستهلك الأميركي، والتصدي لمحاولات ترامب تقويض المؤسسات والقيم الديموقراطية، وإضعاف مؤسسات المجتمع المدني من خلال الاستئثار والتفرد بالسلطة السياسية على حساب تقاسم السلطات والدستور.

جلبت انتخابات الثلاثاء جيلاً جديداً من القادة الديموقراطيين، من المتوقع أن يرفعوا من معنويات حزبهم ويعطوه زخماً جديداً. وليس من المبالغة القول أن فوز المرشحين الديموقراطيين بنسب عالية يمثل لحظة تاريخية بالفعل. وللمرة الأولى في تاريخ مدينة نيويورك، أكبر مدينة في الولايات المتحدة، والعاصمة المالية للولايات المتحدة وللعالم، اختار الناخبون المرشح الديموقراطي الاشتراكي زهران ممداني، البالغ من العمر 34 سنة، والمهاجر المسلم المولود في أوغندا، من أصول هندية، بعد 24 سنة من هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 الارهابية. وخلال أقل من سنة، تحول ممداني من مشرّع مغمور في مجلس ولاية نيويورك، إلى أكثر سياسي ديموقراطي معروف في البلاد. وفاز ممداني بأكثر من خمسين بالمئة من الأصوات في سباق ثلاثي ضد حاكم ولاية نيويورك السابق أندرو كوومو، الذي ترشح كمستقل بعد أن هزمه ممداني في الانتخابات الحزبية في الصيف الماضي، والمرشح الجمهوري كيرتيس سليوا. وحصل ممداني على أكبر عدد من الاصوات منذ 1965.

وفي ولايتي فيرجينيا ونيوجيرسي، صنعت المرشحتين الديموقراطيتين المعتدلتين، آبيغال سبانبرغر (42 سنة) وميكي شيريل (53 سنة)، التاريخ حين فازا بحاكمية الولايتين، بعد أن كسرا احتكار السياسيين الرجال لهذين المنصبين منذ تأسيس الولايتين.  كما فازت غزالة هاشمي بمنصب نائب حاكم فيرجينيا، وهو أبرز وأول منصب في الولاية تفوز به امرأة مسلمة. فوز ممداني الاشتراكي، الذي أيده المرشح الرئاسي السابق والاشتراكي السناتور بيرني ساندرز، وفوز المعتدلتين سبانبرغر وشيريل يعكس حقيقة خيمة  الحزب الديموقراطي الكبيرة التي تضم تيارات سياسية متنوعة.

وفاز المرشحون الديموقراطيون برئاسة بلديات مدن هامة في أكثر من منطقة جغرافية، من بينها جيرزي سيتي وبيتسبيرغ وسينسيناتي واتلانتا وديترويت ومينيابوليس. كما حققوا انتصارات في مجلسي ولايتي  ميسيسيبي وجورجيا الجنوبيتين. وفي استفتاء شعبي كبير، وافق الناخبون في ولاية كاليفورنيا، أغنى وأكبر ولاية أميركية، على خطة حاكم الولاية الديموقراطي غافن نيوسم، بإعادة رسم الخريطة الانتخابية بطريقة تخدم المرشحين الديموقراطيين، في المعركة الدائرة بينه وبين الرئيس ترامب، الذي يريد استمرار سيطرة الحزب الجمهوري على مجلس النواب.

وكان ترامب قد طلب من حاكم ولاية تكساس وغيره من الحكام الجمهوريين، إعادة رسم الخرائط الانتخابية لصالح المرشحين الجمهوريين. وكان ترامب صريحاً ومباشراً في طلبه من حاكم تكساس زيادة عدد ممثلي الولاية بخمس نواب جمهوريين. وكان غافن نيوسم أول حاكم ديموقراطي يتصدى لترامب، ويسعى إلى إعادة رسم الخريطة الانتخابية في الولاية لصالح حزبه، ليوقف احتكار الحزب الجمهوري لرئاسة مجلس النواب في السنة المقبلة. وأنفق مؤيدو الخطة ومعارضوها حوالي مئتي مليون دولار لتعبئة الناخبين.

انتصارات يوم الثلاثاء، أدت إلى وصف العديد من المعلقين الانتخابات الجزئية بمثابة “موجة زرقاء”، في إشارة إلى الحزب الديموقراطي، وتعرض الرئيس ترامب إلى نكسة سياسية عكست انحدار نسبة التأييد الشعبي له. وتبين آخر استطلاعات الرأي العام أن الأميركيين الذين يوافقون على أداء ترامب لا يتعدى 37 بالمئة، بينما تصل نسبة الذين لا يوافقون على أدائه إلى 63 بالمئة. ويعود انحسار شعبية ترامب إلى عوامل عديدة أبرزها تراجع عدد الناخبين المستقلين الذين يوافقون على أداء ترامب إلى 29 بالمئة فقط. ووفقاً لاستطلاعات الرأي المختلفة، لا توافق أكثرية الأميركيين على كيفية تعامل ترامب مع القضايا الهامة التي تهم الناخب الأميركي، بما في ذلك مواقفه الاقتصادية المتناقضة، مثل الرسوم الجمركية العالية والاعتباطية، والتضخم الذي يشعر به الناخب الأميركي يومياً. وهناك استياء شعبي واسع من الممارسات القاسية التي يقوم بها عناصر حماية الحدود ضد المهاجرين غير الموثقين.

وسارع الرئيس ترامب وغيره من القادة الجمهوريين إلى التعلق بالنكران، والتقليل من أهمية المكاسب الديموقراطية، حيث قال ترامب إن الاداء الرديء للمرشحين الجمهوريين يعود إلى أن اسمه لم يكن بين المرشحين، كما يعود أيضا إلى الآثار السلبية للأغلاق الحكومي، وتسريح آلاف من الموظفين الحكوميين. ولكن أداء المرشحين الديموقراطيين الجيد، واستعداد العديد منهم، وخاصة أفراد مثل غافن نيوسم في كاليفورنيا، وزهران ممداني في نيويورك لشنّ حملات انتخابية قوية ضد ترامب وسياساته وسلوكه، أظهر أن الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع.

وحتى بعد هذه النكسة الانتخابية، واستمرار شعبيته بالهبوط، يضاعف الرئيس ترامب من انتقاداته للقادة الديموقراطيين، وتشويه سمعتهم والتشكيك بوطنيتهم، وحتى بالدعوة إلى اعتقالهم، كما دعا في السابق لاعتقال الحاكم نيوسم، واتهام زهران ممداني بأنه شيوعي، وأن انتخابه سيؤدي إلى كارثة. أعلن ترامب عشية الانتخابات تأييده للمرشح كوومو في نيويورك، الأمر الذي اعتبره الكثيرون خطوة يائسة وانتهازية.

الاقبال الكبير للناخبين الديموقراطيين على التصويت لمرشحيهم في انتخابات جزئية، يبين مدى استياء مختلف الفئات التي تتحرك تحت المظلة الديموقراطية، وإذا استمر هذا الحماس الديموقراطي حتى الانتخابات النصفية بعد سنة، فإن الجمهوريين قد يخسرون سيطرتهم على مجلس النواب، الأمر الذي سوف يسهل على الديموقراطيين احباط، أو التأثير، على سياسات ترامب. وقبل الانتخابات، نظم الديموقراطيون تظاهرات ضد ما يعتبرونه الممارسات القمعية لحرس الحدود، الذين أوقفوا الكثير من المواطنين الأميركيين، وليس فقط المهاجرين غير الموثقين.

وقبل أسابيع نظموا تظاهرت في آلاف المدن والبلدات في جميع أنحاء البلاد تحت شعار “لا ملوك”، شارك فيها أكثر من 7 ملايين مواطن، وذلك في رفض مباشر وقوي لاستئثار ترامب بالسلطة وتقويضه للقيم الديموقراطية. سوف تشجع نتائج الانتخابات على بروز مرشحين ديموقراطيين شباب لدخول الكونغرس ليس فقط للتصدي لترامب، بل أيضاً للطبقة الديموقراطية التقليدية، التي عززت من تركيز الحزب على الانخراط في معارك جانبية حول هويات الفئات الديموقراطية والقضايا الثقافية والاجتماعية الجانبية، وعدم التركيز على العوامل الاقتصادية.

سارع الرئيس ترامب، وغيره من القادة الجمهوريين، إلى الادعاء أن زهران ممداني هو الوجه الجديد المتطرف “والشيوعي” للحزب الديموقراطي. والحقيقة أن ممداني يفاخر بنزعته الاشتراكية، وبدينه الاسلامي، وتأييده للقضية الفلسطينية، وهو الذي ينقح خطبه بكلمات وجمل عربية يلفظها بدقة ووضوح.

ويواصل ترامب تهديده لممداني بأنه لن يوفر الموارد المالية الفدرالية لمدينة نيويورك، ولكن ممداني لم يتراجع في وجه ترامب، بل لجأ إلى الهجوم المضاد. قال ممداني في خطاب فوزه، “إذا كانت هناك طريقة لترهيب طاغ، فهي من خلال تفكيك الظروف التي مكنته من مراكمة عناصر القوة”. وفي تحد سافر لترامب أضاف ممداني، “بما أنني اعرف أنك تراقب (الخطاب) لدي أربع كلمات لك: ارفع الصوت إلى الأعلى”.

ويدعو ممداني إلى فرض ضرائب إضافية على ذوي الدخل العالي والشركات لدفع نفقات الخدمات الاجتماعية، مثل العناية المجانية بالأطفال، وتجميد الايجارات، وتوفير خدمات النقل (الباصات) مجاناً. وخاض ممداني حملته بتفاؤل كبير، وكان يقوم بنشاطاته الانتخابية بشكل دائم، وفي كل منطقة في المدينة الكبيرة، ويركز على التنوع الديموغرافي الذي يجعل نيويورك وكأنها دولة مستقلة، وفي كل خطبه كان يشير إلى أهمية المهاجرين الذين صنعوا المدينة. وسوف يجد ممداني نفسه بعد استلامه لمنصبه، في مواجهة مع رؤساء الشركات والمصارف الكبيرة في نيويورك، الذين أعربوا عن قلقهم من انتخاب اشتراكي ديموقراطي لإدارة العاصمة المالية للعالم.

وحصل ممداني على أصوات مختلف الفئات العرقية والدينية في المدينة، وبالإضافة إلى أصوات العديد من الشباب الذين يبحثون عن سياسيين يرفضون المساومة على مبادئهم، جذب ممداني إلى حملته نسبة كبيرة من الناخبين المسلمين والعرب، وبلغت نسبة الناخبين اليهود الذين صوتوا لممداني إلى أكثر من ثلاثين بالمئة.

ومن المتوقع أن يستعير المرشحون الديموقراطيون في السنة المقبلة نبرة ممداني التفاؤلية، والتنظيم الفعال لحملته، دون أن يستعيروا بالضرورة بعض طروحاته، ومنها توفير الخدمات الاجتماعية المجانية، الذي يشكك العديد من المراقبين في قدرته على توفيرها. ويبين فوز ممداني التقدمي في مدينة نيويورك، وسبانبرغر وشيريل المعتدلتين في ولايتي فيرجينيا ونيو جيرسي، أن الديموقراطيين الذين ركزوا هذه المرة على القضايا والهموم الاقتصادية وغلاء المعيشة، بدلاً من الانشغال بالخلافات الثقافية والاجتماعية، أو التركيز على انتقاد ترامب دون أن يطرحوا البدائل، لديهم الفرصة للبقاء خارج الصحراء السياسية التي زجهم فيها ترامب وقياداتهم الضعيفة.

الآراء الواردة في هذا المحتوى تعبّر عن وجهات نظر الكاتب/ة أو المتحدث/ة، ولا تعكس بالضرورة آراء معهد دول الخليج العربية أو موظفيه أو مجلس إدارته.

هشام ملحم

باحث غير مقيم

التحليلات

الشرق الأوسط يدخل مرحلة انتقالية غامضة

ليس شرقاً أوسط جديداً، بل هدنةٌ طويلة على حافة الانفجار، انتصار بلا ترتيب سياسي، ونظام قديم يتداعى من دون بديل واضح.

هشام ملحم

7 دقائق قراءة

الشرق الأوسط أمام مفترق طرق

دفعت حرب غزة المنطقة إلى مفترق طرق، تجميد مسارات التطبيع، اتساع رقعة المواجهات من غزة إلى لبنان وسوريا واليمن، وتزايد عزلة إسرائيل مع تحولات في الرأي العام والتحالفات.

هشام ملحم

6 دقائق قراءة

عن فلسطين وإسرائيل وإسبرطة

اعترافات أوروبية بالدولة الفلسطينية، وزيادة المطالبة بمساءلة إسرائيل دوليا، في حين يسعى نتانياهو إلى مزيد من العسكرة، فهل يقود ذلك إلى عزلة أعمق لإسرائيل على المستوى الدولي؟

هشام ملحم

8 دقائق قراءة

العنف الإسرائيلي يزور دولة عربية أخرى

هجوم إسرائيل على الدوحة يهزّ معادلة الأمن الخليجي ويحرج واشنطن، فيما قطر جهودها للوساطة في إنهاء الحرب في قطاع غزة.

هشام ملحم

4 دقائق قراءة

عرض الكل