"*" indicates required fields

This field is for validation purposes and should be left unchanged.

اشترك

عند الاشتراك، فإنك توافق على سياسة الخصوصية المعتمدة لدينا.

Subscription Settings
التحليلات

واشنطن والرياض بين زيارتين

الرياض وواشنطن تعيدان رسم توازن العلاقة بينهما. بين رمزية الاستقبال وحسابات المصالح، ترسم زيارة ولي العهد الثانية إلى واشنطن ملامح شراكة جديدة.

هشام ملحم

7 دقائق قراءة

طائرات عسكرية تحلق فوق البيت الأبيض فيما يستقبل الرئيس دونالد ترامب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، 18 نوفمبر 2025، في واشنطن. (صورة من أسوشييتد برس/مارك شيفِلباين)

تأتي الزيارة الثانية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن، على خلفية حدوث تطورات وتغييرات استراتيجية وسياسية واقتصادية جذرية، غيرت، إلى حد كبير، من توازنات القوى في منطقة الشرق الأوسط، لم يكن يتصورها الرئيس ترامب أو ولي العهد السعودي عندما قام الأمير محمد بن سلمان بزيارته الأولى إلى واشنطن في 2018.

في السنوات الماضية، نجحت إسرائيل، بدعم شبه مطلق من الولايات المتحدة، بإلحاق نكسات عسكرية نوعية أضعفت البرنامج النووي الإيراني، في أعقاب أول هجوم مشترك إسرائيلي-أميركي، وتحويل إيران إلى بيت دون سقف، بعد أن سيطر الطيران الإسرائيلي على أجواء إيران، ودمّر جزءاً كبيراً من ترسانتها الصاروخية. وسارعت إسرائيل بتوسيع حربها الشاملة ضد حركة حماس إلى حرب إقليمية، قامت خلالها بإلحاق خسائر بشرية ومادية كبيرة بالقوى الإقليمية، التي تخدم مصالح النظام الإسلامي في طهران، بدءاً من حركة حماس في قطاع غزة، إلى حزب الله في لبنان، وانتهاءً بالميليشيات الحوثية في اليمن. انشغال إيران بالمواجهة مع إسرائيل، وروسيا بحربها ضد أوكرانيا، وضعف حزب الله، كلها عوامل ساهمت في التعجيل بسقوط نظام بشار الأسد الهش في سوريا.

معظم هذه التطورات تنسجم مع مصالح البلدين، وساهمت في تعزيز نفوذهما الإقليمي. استياء الرأي العام العربي من الخراب المادي الكبير التي جلبته إسرائيل إلى غزة، وقتل عشرات الآلاف من المدنيين، لا يلغ حقيقة أن جميع دول الخليج العربية – باستثناء قطر- ترحب بانحسار نفوذ حركة حماس، وإنهاء حكمها لقطاع غزة.

وبعكس زيارته الأولى للولايات المتحدة، حيث أمضى ولي العهد ووفده ثلاثة أسابيع، زاروا خلالها مختلف الولايات، وناقشوا مع قادة الشركات التقنية المتطورة رؤيتهم لمستقبل المملكة الاقتصادي والعلمي، انحصرت الزيارة الحالية بواشنطن، في اجتماعات مع الرئيس ترامب وأعضاء حكومته يوم الثلاثاء، لحقها في اليوم التالي مؤتمراً عن الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة، لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين. وتحدث في المؤتمر، الرئيس ترامب وولي العهد السعودي. وشارك في المؤتمر قادة كبريات شركات التكنولوجيا والمسؤولين الحكوميين، لمناقشة مختلف القطاعات الاقتصادية.

وللتدليل على قوة العلاقات الشخصية والسياسية بين البلدين، بذل الرئيس ترامب كل ما في وسعه لتوفير استقبال حار وحميم تخلله استعراض جوي للطائرات الحربية فوق البيت الأبيض، شاركت فيه طائرات من طراز إف-35، الأكثر تطورا في الترسانة الأميركية، والتي قال ترامب أنه يريد أن يبيعها إلى السعودية. بالإضافة إلى عرض للجنود الاميركيين على الخيول السوداء، وهم يحملون الأعلام الأميركية والسعودية. واستقبل ولي العهد السعودي وكأنه رئيس دولة، مع أن منصبه الرسمي هو رئيس للحكومة السعودية.

كما تأتي الزيارة بعد “تطبيع” العلاقات، وبعد التقدم النوعي للعلاقة الرسمية في ولاية ترامب الثانية، والتي سبقها تعزيز العلاقات والاستثمارات المالية في نظام النقد الالكتروني (البيتكوين) بين أفراد العائلتين، الأمر الذي أثار الأسئلة حول وجود تضارب في المصالح، ما دفع بالرئيس ترامب للقول أنه لا علاقة له بشركته التي يديرها أبناؤه، الذين يستثمرون في مختلف الدول.

وفي السنوات التي عقبت زيارته الأولى إلى واشنطن، أوقف ولي العهد اقحام بلاده في نزاعات خارجية مكلفة، مثل الحرب في اليمن، والحصار المفروض على قطر، وبدأ بالتركيز على بناء الجبهة الداخلية، وتوسيع رقعة الحريات المدنية وليس السياسية، وتطوير البلاد اقتصادياً، وابعادها عن الاعتماد على تصدير النفط، وتحويلها إلى مركز للصناعات المتطورة، ومن بينها وضع استثمارات كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي في المملكة. وحين زار واشنطن للمرة الثانية، كان ولي العهد قد انتهى من فرض سلطته السياسية بشكل حاسم في الداخل، كما في الإقليم.

وأي مقارنة بين ولاية ترامب الأولى والثانية، تبين أن ترامب نجح في فرض سيطرة شبه كاملة وغير مسبوقة على النظام السياسي الأميركي، حيث يسيطر الحزب الجمهوري، الذي طبعه بشخصيته، وحوله إلى حزب يدين له بولاء شبه مطلق، وسيطرته على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. وخلال أقل من عشرة أشهر، جمع ترامب في يديه سلطات واسعة أتت على حساب ترهيب قطاعات المجتمع المدني، من وسائل الاعلام إلى الجامعات. وهكذا تأتي الزيارة الثانية لولي العهد السعودي في الوقت الذي وصلت إليه سلطته وسلطة الرئيس الأميركي إلى ذروتها.

وخلال ولاية الرئيس السابق جوزيف بايدن، دخلت العلاقات الثنائية في مأزق بعد انتقادات بايدن للسعودية خلال حملته الانتخابية، ووصفها بالدولة المنبوذة، بسبب سجلها الرديء في مجال حقوق الانسان. ووصلت انتقادات بايدن وأعضاء الكونغرس والرأي العام لولي العهد السعودي إلى ذروتها، بعد أن كشفت أجهزة الاستخبارات الأميركية، بما فيها وكالة الاستخبارات المركزية، تورطه في جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، الذي كان يعمل في صحيفة واشنطن بوست، ويقيم في ولاية فيرجينيا.

وخلال استقبال ولي العهد السعودي في البيت الأبيض، أثنى ترامب بسخاء على إنجازاته، وذكر من بينها حقوق الإنسان. وحين طرحت احدى الصحفيات على الأمير محمد سؤالاً حول تقرير الاستخبارات عن خاشقجي، بادر الرئيس ترامب بحدة وحماس واضحين للرد قائلا، إن خاشقجي كان “مثيرا للكثير من الجدل”، وأن “الأشياء تحدث”، مشيراً إلى أن ولي العهد لم يكن له علم بالجريمة، وانتهى بتأنيب الصحفية. وسارع ولي العهد للقول، إنه “من المؤلم أن يخسر إنسان حياته دون أي سبب حقيقي، أو بشكل غير قانوني. لقد غيرنا نظامنا، للتأكد من عدم حدوث أي شيء مماثل (في المستقبل)”، وقال إن  ما حدث يعتبر “غلطة كبيرة”.

وحتى قبل وصول ولي العهد السعودي إلى واشنطن، تلقى وعداً من الرئيس ترامب بتزويد الرياض بطائرات أف-35 المتطورة، التي لم تحصل عليها في الشرق الأوسط أي دولة باستثناء إسرائيل التي تتحفظ على الصفقة السعودية، وخاصة إذا شملت جميع الخصائص الإلكترونية الحديثة. وأي صفقة من هذا النوع تتطلب موافقة مجلس الشيوخ، حيث هناك تحفظات حول تزويد السعودية بطائرات يعتقد البعض أنها ستغير التوازن العسكري في المنطقة، حيث تضمن واشنطن تقليدياً تفوق إسرائيل النوعي. وهناك تخوف من حصول الصين، التي تربطها علاقات جيدة مع السعودية، على تقنيات هذه الطائرة في المستقبل. ويشكك البعض بمن فيهم أعضاء جمهوريين بقدرة ترامب على اقناع حزبه بتمرير الصفقة، ويشيرون إلى الصفقة التي وقعتها دولة الإمارات المتحدة مع الولايات المتحدة خلال ولاية ترامب الأولى لشراء خمسين طائرة أف-35، كجزء من قبول دولة الإمارات بالدخول في اتفاقيات إبراهام. ولكن الصفقة واجهت شروطاً أميركية تعجيزية، وعلقت إدارة الرئيس بايدن السابقة إنجازها، مما أدى عملياً إلى وقف تنفيذ الصفقة.

وكان المسؤولون السعوديون قد قاموا في الآونة الأخيرة بجهود كبيرة للتخفيف من التوقعات بإنضمامهم في أي وقت قريب إلى اتفاقات إبراهام، كما يهدف ترامب، لأن تطبيع العلاقات السعودية-الإسرائيلية سوف يؤدي إلى تحييد معارضتها لحصول الرياض على طائرات أف-35. وخلال وجوده في البيت الأبيض، قال الأمير محمد بن سلمان، “نريد أن نكون جزءاً من اتفاقات إبراهام، ولكننا نريد أيضا أن نكون واثقين من ضمان وجود طريق واضح يؤدي إلى حل الدولتين”. وأضاف، “نريد السلام مع الإسرائيليين، ونريد السلام مع الفلسطينيين، ونريدهم أن يتعايشوا سلمياً”. ولكن الحكومة الإسرائيلية الحالية ترفض بشكل قاطع قيام دولة فلسطينية مستقلة.

وتركزت المباحثات على حجم الاستثمارات المالية السعودية في الولايات المتحدة، التي تم الاتفاق عليها حين زار الرئيس ترامب السعودية، ووصلت آنذاك إلى 600 مليار دولار، والقطاعات التي ستستثمر فيها الأموال، وخاصة حصول السعودية على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وعلى رقائق الكومبيوتر الأكثر تطوراً في العالم والتعاون في مجال الطاقة. ووعد ولي العهد برفع قيمة الانفاق السعودي والاستثمارات في الولايات المتحدة إلى ترليون دولار، دون أن يلزم نفسه بأي جدول زمني، أو في أي قطاعات سوف يتم الاستثمار فيها. وهناك رغبة أميركية بإبقاء السعودية وغيرها من دول الخليج العربية خارج دائرة الاعتماد على الصين تقنياً، من خلال تزويدها بتقنياتها المتطورة، لكيلا تلجأ إلى الصين.

ولكن الزيارة التي لم تتعد اليومين، لم تحسم طلب السعودية الحصول على برنامج نووي سلمي، وهو طلب قيد النقاش منذ سنوات، وخاصة إصرار السعودية على تخصيب اليورانيوم في منشآتها النووية، ومعارضة واشنطن لذلك – كما هول الحال مع إيران – لأن هذه القدرات تسمح نظرياً بتطوير القنبلة النووية. وتم الاتفاق على مواصلة مناقشة هذه المسألة العويصة.

ومع أن السعودية كانت تأمل بالتوصل إلى اتفاقية دفاع مشترك رسمية، إلا أن ذلك يتطلب موافقة ثلثي عدد أعضاء مجلس الشيوخ، وهو أمر متعذر حالياً. وفي هذا السياق، أعلن الرئيس ترامب خلال مأدبة العشاء مساء الثلاثاء، التي أقامها على شرف الأمير محمد، تصنيف السعودية “حليف رئيسي خارج الناتو”، ويؤدي هذا الاتفاق إلى تعزيز العلاقات العسكرية، ويسهل حصول المملكة على الأسلحة الأميركية. ولكن هذا الاتفاق لا يشمل توفير ضمانات أمنية أميركية للسعودية. وسوف تنضم السعودية إلى 19 دولة وقعت مثل هذا الاتفاق، بينها إسرائيل وقطر والكويت والاردن.

لا تزال منطقة الشرق الأوسط تختبر التداعيات العميقة للتطورات والاضطرابات التي حلت بها في السنوات الماضية. وما يمكن قوله ببعض الثقة هو أن الرئيس ترامب – لأسباب شخصية واستراتيجية – سوف يواصل تعزيز علاقاته بالسعودية وغيرها من دول الخليج العربية. كما أن اعتماده على سياسة “أميركا أولا” وسعّت من قدرته على تبني مواقف غير تقليدية وأكثر استقلالية من أسلافه، مثل التفاوض المباشر مع إيران وحركة حماس، والتعجيل بإلغاء العقوبات الاقتصادية ضد سوريا، مع ما يحمله ذلك من تقلبات وتطورات ايجابية وسلبية، في شرق أوسط يتغير بشكل مدوي.

الآراء الواردة في هذا المحتوى تعبّر عن وجهات نظر الكاتب/ة أو المتحدث/ة، ولا تعكس بالضرورة آراء معهد دول الخليج العربية أو موظفيه أو مجلس إدارته.

هشام ملحم

باحث غير مقيم

التحليلات

إنجاز ديموقراطي ونكسة للرئيس ترامب

انتخابات مبكرة تمنح الديمقراطيين دفعة قوية، فيما يعتبر بمثابة استفتاء غير مباشر على سياسات ترامب.

هشام ملحم

6 دقائق قراءة

الشرق الأوسط يدخل مرحلة انتقالية غامضة

ليس شرقاً أوسط جديداً، بل هدنةٌ طويلة على حافة الانفجار، انتصار بلا ترتيب سياسي، ونظام قديم يتداعى من دون بديل واضح.

هشام ملحم

7 دقائق قراءة

الشرق الأوسط أمام مفترق طرق

دفعت حرب غزة المنطقة إلى مفترق طرق، تجميد مسارات التطبيع، اتساع رقعة المواجهات من غزة إلى لبنان وسوريا واليمن، وتزايد عزلة إسرائيل مع تحولات في الرأي العام والتحالفات.

هشام ملحم

6 دقائق قراءة

عن فلسطين وإسرائيل وإسبرطة

اعترافات أوروبية بالدولة الفلسطينية، وزيادة المطالبة بمساءلة إسرائيل دوليا، في حين يسعى نتانياهو إلى مزيد من العسكرة، فهل يقود ذلك إلى عزلة أعمق لإسرائيل على المستوى الدولي؟

هشام ملحم

8 دقائق قراءة

عرض الكل