"*" indicates required fields

اشترك

This field is for validation purposes and should be left unchanged.

عند الاشتراك، فإنك توافق على سياسة الخصوصية المعتمدة لدينا.

Subscription Settings
التحليلات

محدودية النفوذ الأميركي في العالم

لا أحد يعلم بيقين كيف ستكون موازين القوى في نهاية ولاية ترامب في 2028. لكن ما يمكن قوله ببعض الثقة اليوم هو إن محدودية النفوذ الأميركي في العالم ستكون احدى السمات السافرة في العالم.

هشام ملحم

5 دقائق قراءة

في هذه الصورة المقدمة من المكتب الصحفي للرئاسة الأوكرانية، يظهر الرئيس فولوديمير زيلينسكي والرئيس دونالد ترامب وهما يتحدثان أثناء حضورهما جنازة البابا فرانسيس في كاتدرائية القديس بطرس بمدينة الفاتيكان، 26 أبريل 2025. (المكتب الصحفي للرئاسة الأوكرانية/أسوشيتد برس، أرشيف)

كان الرئيس دونالد ترامب يؤكد أنه سيكون قادراً، في حال انتخابه على إنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية في اليوم الأول لوصوله البيت الأبيض. طبعا لم يصدق أحد هذه المبالغة، ولكن ترامب كان مقتنعاً أن علاقته الشخصية بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واعتماد أوكرانيا، إلى حد كبير على المساعدات العسكرية الأميركية، سوف تؤدي بوساطته إلى النجاح بسرعة كبيرة. بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على وجوده في البيت الأبيض، وبعد زيارات مبعوثه الشخصي ستيف ويتكوف إلى موسكو، ومحادثاته مع بوتين، وصلت مساعي وتأكيدات ووعود ترامب إلى طريق مسدود كما تعكس تصريحاته واحباطه، بل استيائه وانتقاداته غير المعهودة للرئيس بوتين، التي يكتبها على منصته تروث سوشال، الذي أظهرت محدودية نفوذه في وقف هذه الحرب النظامية الأولى التي تشهدها القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.

ونرى النمط ذاته إلى حد ما في العلاقة الراهنة بين الرئيس ترامب ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، واحباط ترامب المتزايد من تصلب نتنياهو واصراره على مواصلة سياسة الحصار والتجويع، التي ينتهجها ضد الفلسطينيين في القطاع. زيارات ومحادثات المبعوث ويتكوف مع الإسرائيليين وممثلي حركة حماس في الدوحة لم تؤد حتى الآن إلى وقف القتال، واستمرار احباط ترامب وويتكوف من تصلب نتنياهو وحركة حماس. وحين قال ترامب في الأسبوع الماضي إنه يبحث مع إسرائيل “لنرى ما إذا كان بالإمكان التوصل إلى وقف القتال بأسرع ما يمكن”، فإن ذلك لا يعكس عزلة إسرائيل الدولية فحسب، بل يكشف المسافة الواسعة التي تفصله عن نتنياهو الآن مقارنة بمواقفه فور وصوله إلى البيت الأبيض حين تبنى معظم مواقف إسرائيل، وحين حمّل حركة حماس وليس إسرائيل مسؤولية استمرار الحرب.

خلال لقائه مع مراسلي البيت الأبيض في الأسبوع الماضي، أكد ترامب حين سؤاله عما إذا كان قد حذّر نتنياهو من مغبة مهاجمة إيران، أجاب بالايجاب، قبل أن يخفف من حدة انتقاده، مضيفاً، إنه قال لنتنياهو إن الوقت “غير مناسب الآن لأننا قريبون جداً من التوصل إلى اتفاق مع إيران”. وعكس ترامب موقفاً مماثلاً حول قطاع غزة حين قال “نحن قريبون جداً من اتفاق حول غزة”.

جاء تحذير ترامب بعد انتقادات قوية لإسرائيل صدرت عن ألمانيا وإيطاليا، ومطالبتهما بوقف إطلاق نار فوري، والافراج عن الرهائن، وبعد البيان الثلاثي لكندا وبريطانيا وفرنسا، الذي انتقد توسيع الحرب، وحذّر من اتخاذ اجراءات عقابية ملموسة إذا استمرت إسرائيل على نهجها. تهديد ألمانيا، التي كانت تقليدياً تتفادى انتقاد الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، باتخاذ اجراءات لم تحددها ضد إسرائيل، وقرارها عدم تصدير أي أسلحة لإسرائيل يمكن أن تنتهك القوانين الإنسانية، يبين أن حكومة المستشار فريدريك ميرز مستعدة لتصعيد الضغوط على حكومة نتنياهو. وكان من اللافت أن إدارة ترامب لم تدافع عن إسرائيل ضد الانتقادات الصادرة عن هذه الدول الأعضاء في حلف الناتو.

تصلب بوتين في أوكرانيا، يشبه تصلب نتنياهو في غزة، والاثنين يؤمنان بوجود حل عسكري للحربين الطويلتين، والاثنين لا يباليان بالانتقادات الدولية، أو إدانات المنظمات الدولية بأنهما يرتكبان جرائم حرب في أوكرانيا وغزة. انتقادات ترامب واحباطه في التعامل مع زعيمين كان يعتقد أنه قادر على التفاهم معهما قبل بضعة أشهر يتبع الخط البياني ذاته. وعّبر ترامب عن احباطه وانتقاداته لنتنياهو في تصريحاته وفي أفعاله، وخاصة حين فاجأ نتنياهو عندما زاره في البيت الأبيض، وأعلن عن بدء المفاوضات النووية مع إيران.

تزداد انتقادات ترامب لبوتين وتتنوع مع مرور كل يوم تقريباً. في الأسابيع الماضية هدد بفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، وتساءل في تصريحات علنية عما حدث لبوتين “الذي أعرفه جيدا”، ووصل به الأمر أن كتب على منصته أن بوتين يتصرف كرجل “مجنون” حين يأمر بالهجمات ضد المدنيين في أوكرانيا. ردت روسيا على هذا الوصف لبوتين بأنه يعكس “الارهاق العاطفي” للرئيس ترامب.

تأتي هذه الانتقادات المتأخرة لبوتين بعد الخلافات والمناوشات العلنية بين ترامب والرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي، بما فيها “المشاجرة” بينهما في البيت الأبيض، وبعد أن أيد البيت الأبيض رفض روسيا انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وتصويت واشنطن إلى جانب موسكو في الأمم المتحدة ضد قرار يدين موسكو، وبعد أن قبلت إدارة ترامب أن وقف الحرب يجب ألا يؤدي إلى عودة القوات الروسية إلى الحدود التي كانت مرابطة فيها قبل غزو أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

وحتى الآن، بقيت انتقادات وتهديدات ترامب، ونتنياهو إلى حد أقل، في سياق المواقف اللفظية، لأن الرأي السائد في أوساط الخبراء هو أن ترامب بدلاً من أن يفرض عقوبات اقتصادية ضد روسيا –التي استثناها من التعريفات الجمركية- يميل إلى سحب وساطته، كما هدد هو ووزير خارجيته ماركو روبيو أكثر من مرة. احباط ترامب مع نتنياهو لم يترجم حتى الآن لإجراءات عملية عقابية مثل تجميد تزويد اسرائيل بالأسلحة، وخاصة الذخائر التي استنزفتها في الحرب ضد قطاع غزة.

هذا لا يعني ان سياسة “أميركا أولاً”، أو ما يمكن وصفه “مبدأ ترامب”، أي خدمة الأهداف التي تصب في المصلحة السياسية والاقتصادية والاستراتيجية للولايات المتحدة دون استشارة حلفاء واشنطن مسبقاً، حتى عندما يكونوا معنيين مباشرة بقراراته، قد وضعت ترامب في مواجهة سياسية مع نتنياهو وائتلافه الحكومي المتطرف.

الإسرائيليون مستاؤون من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة التي يجريها المبعوث ويتكوف مع قادة حركة حماس بشأن الرهائن، وهو أمر لم تفعله في السابق أي إدارة أميركية تصنف حركة حماس كتنظيم ارهابي. وكذلك التفاوض المباشر مع إيران بشأن اتفاق نووي جديد، إضافة إلى التوصل إلى إطلاق نار مع جماعة الحوثيين في اليمن، دون استشارة إسرائيل أو حتى بريطانيا التي تشارك في العمليات العسكرية ضد الحوثيين. وأخيراً رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، وبدء عملية التطبيع بين واشنطن ودمشق رغم معارضة إسرائيل لذلك. ويمكن وضع تجاهل ترامب التوقف في إسرائيل خلال جولته الخليجية في هذه الخانة.

الرئيس ترامب – الذي عاقب الفلسطينيين وكافأ إسرائيل في ولايته الأولى بعدة إجراءات، مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بالمدينة كعاصمة لإسرائيل، والاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة – يؤيد اسرائيل انطلاقا من فائدتها للولايات المتحدة، وليس انطلاقاً من أي مواقف أيديولوجية أو عاطفية مثل غيره من معظم الرؤساء الأميركيين السابقين، وخاصة سلفه جوزيف بايدن، الذي كان يفاخر بوصف نفسه “بالصهيوني”. وإذا وجد ترامب أن الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران يخدم مصلحة الولايات المتحدة، أو أن تطبيع العلاقات بين دمشق وواشنطن يخدم الولايات المتحدة وحلفائها العرب وتركيا، فإنه سيفعل ذلك حتى بوجود الاستياء الاسرائيلي.

ولكن ذلك لا يخفي حقيقة إن علاقات ترامب بكل من بوتين ونتنياهو تكشف محدودية النفوذ الأميركي في العالم، وخاصة بعد أن عامل ترامب أصدقاء وخصوم واشنطن بشكل مماثل حين فرض الرسوم الجمركية بشكل اعتباطي ضد العالم. مواقف ترامب وتصريحاته المتناقضة تجاه الصين في الحرب التجارية بينهما تعكس من جملة ما تعكسه محدودية النفوذ الأميركي في ارغام الصين على الرضوخ لمصالح وشروط ترامب. اخفاق ترامب في ترهيب الاتحاد الأوروبي وكندا واحباطه العلني في معركة الرسوم الجمركية مع الطرفين كشف أيضاً محدودية قدرة واشنطن على فرض شروطها. ولكن اخفاق ترامب في وقف أكثر حرب تحصد آلاف العسكريين والمدنيين في أوكرانيا وروسيا كل أسبوع يظل أبلغ تعبير عن محدودية النفوذ الأميركي في العالم في عهد الرئيس ترامب.

لا أحد يعلم بيقين كيف ستكون موازين القوى في نهاية ولاية ترامب في 2028. لكن ما يمكن قوله ببعض الثقة اليوم هو إن محدودية النفوذ الأميركي في العالم ستكون احدى السمات السافرة في العالم.

الآراء الواردة في هذا المحتوى تعبّر عن وجهات نظر الكاتب/ة أو المتحدث/ة، ولا تعكس بالضرورة آراء معهد دول الخليج العربية أو موظفيه أو مجلس إدارته.

هشام ملحم

باحث غير مقيم

التحليلات

ترامب يتخطى ثوابت أميركية في الشرق الأوسط

في جولته الخليجية، تجاوز ترامب ثوابت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، مفضلاً المصالح الاقتصادية والتقارب الإقليمي على خطاب الديمقراطية والتدخل الخارجي.

هشام ملحم

7 دقائق قراءة

ماذا يريد ترامب من إيران؟

تراهن إدارة ترامب على المفاوضات مع إيران وسط انقسام جمهوري وتوتر متصاعد مع إسرائيل حول الخيار العسكري.

هشام ملحم

7 دقائق قراءة

أول مئة يوم من ولاية ترامب

في مئة يوم فقط، أعاد ترامب تشكيل الرئاسة الأميركية على صورته من خلال سيل من الأوامر التنفيذية، ومواجهات مع القضاء والإعلام، وحروب تجارية عالمية أثارت مخاوف جدية من نزوع نحو السلطوية في الولايات المتحدة.

هشام ملحم

7 دقائق قراءة

الولايات المتحدة وإيران: نافذة ديبلوماسية أم حرب

في ظل تزايد التوترات الإقليمية، تستعد الولايات المتحدة وإيران لبدء محادثات في سلطنة عُمان، ضمن مقاربة أميركية تجمع بين الحزم العسكري والانفتاح الدبلوماسي، في محاولة لإعادة صياغة العلاقة مع طهران.

هشام ملحم

6 دقائق قراءة

عرض الكل